للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسلم، عن رجل حفّار القبور، قال: حفرت قبرين وكنت في الثالث فاشتد عليّ الحرّ، فألقيت كسائي على ما حفرت، واستظللت فيه فبينا أنا كذلك إذ رأيت شخصين، على فرسين أشهبين، فوقفا على القبر، فقال أحدهما لصاحبه: أكتب، قال: ما أكتب؟ قال: فرسخ وفرسخ (١)، ثم تحوّلا إلى الآخر، قال: أكتب قال وما أكتب؟ قال: مدّ البصر، ثم تحوّلا إلى الآخر الذي أنا فيه فقال أكتب قال: وما أكتب قال: فِتْرٌ في فِتْرٍ (٢) فقعدت انظر الجنائز، فجيء برجل معه نفر يسير، فوقفوا على القبر الأوّل قلت: ما هذا الرجل؟ قالوا: إنسانٌ قرّاب يعني سقّاء ذو عيال، ولم يكن له شيء، فجمعنا له، فقلُت: ردُّوا الدراهم على عياله، ودفنته معهم، ثم أُتي بجنازة ليس معها إلا من يحملها فسألوا عن القبر فجاءوا إلى القبر، الذي قالا: مد البصر، قلتُ: من ذا الرجل، فقالوا: إنسان غريب مات على مزبلة، ولم يكن معه شيء، فلم آخذ منهم شيئًا، وصليت عليه معهم، وقعدت انظر الثالث فلم أزل أنتظره إلى العشاء، فأُتي بجنازة امرأة لبعض القواد فسألتهم الثمن، فضربوا برأسي، ودفنوها فيه (٣). فسبحان اللطيف الخبير.

قُلْتُ: وقد أخبرني بعض إخواني وهو عندي غير متهم؛ أنّ


(١) كذا في جميع الأصول، وفي "أهوال القبور": فرسخ في فرسخ.
(٢) الفِتْرُ: ما بين الإبهام والسَّبابَةِ، أو ما بين طرف الإبهام والسَّبابَةِ إذا فَتَحْتَهُما. "اللسان" مادة (فتر).
(٣) أهوال القبور ص ٤٠.