للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السّابقة بل تخصها، وتبيّن من لا يُسأل في قبره ولا يفتن فيه، ممّن يجري عليه السّؤال ويقاسي تلك الأهوال، وهذا كله ليس فيه مدخل للقياس ولا مجال للنظر فيه، وإنما فيه التسليم والانقياد؛ لقول الصادق المصدوق.

قال: وقوله في الشهيد: "كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة" (١)، معناه: أنه لو كان في هؤلاء المقتولين نفاق كان إذا التقى الجمعان وبرقت (٢) [اسيوف على رءوسهم فرُّوا؛ لأن من شأن المنافق الفرار والروغان عند ذلك، ومن شأن المؤمن البذل والتسليم والتفويض للعزيز الحكيم، وقد ظهر صدق ما في ضميره، حيث برز للحرب والقتل، فلماذا يعاد عليه السؤال في القبر؟ قاله الحكيم الترمذي.

قال القرطبي (٣): وإذا كان الشهيد لا يُسأل، فالصدِّيق أجل قدرًا، وأعظم خطرًا، فهو أحرى أن لا يفتن؛ لأنه المقدم ذكره في التنزيل على الشهداء، وقد جاء في المرابط الذي هو أقل رتبة من الشهيد أنه لا يفتن، فكيف بمن هو أعلى مرتبة منه ومن الشهيد؟ انتهى. قال السيوطي (٤): وقد صرح الحكيم بأن الصِّدِّيقين لا يُسألون، وعبارته: قال تعالى: {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: الآية ٢٧]، وتأويله عندنا -والله أعلم- أن من مشيئته أن يرفع مرتبة أقوام


(١) انظر: ت (٢٠٦) ت (٢).
(٢) سقط من (أ) الصفحات ١٢٢ إلى ١٢٦ واستدركناه من (ب وط)، انظر ص ٢١٨.
(٣) "التذكرة" ١٧٢.
(٤) "شرح الصدور" ص ٢٠٨.