للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عن السؤال، وهم الصدِّيقون والشهداء. وما نقله عن الحكيم الترمذي (١) في توجيه حديث الشهيد، يقتضي اختصاص ذلك بشهيد المعركة. لكن قضية أحاديث الرباط التعميم في كل شهيد. هذا كلام السيوطي قلت: لا يلزم من كون المرابط لا يسأل أن يكون كل شهيد كذلك نعم جزم الحافظ ابن حجر، في "بذل الماعون في فضل الطاعون" (٢)، بأن الميت بالطعن لا يُسأل؛ لأنه نظير المقتول في المعركة، وبأن الصابر في الطاعون يعلم محتسبًا أنه لا يصيبه إلا ما كُتب له، إذا مات فيه بغير الطعن، لا يفتن أيضًا؛ لأنه نظير المرابط. كذا قال السيوطي (٣): وهو متجه جدًا. قال الحكيم في توجيه حديث المرابط (٤): إنه قد ربط نفسه وسجنها وصيرها حبيسًا لله في سبيله، لمحاربة أعدائه، فإذا مات على هذا فقد ظهر صدق ما في ضميره، فَوُقِيَ فتنة القبر.

قلت: قد ظهر لي من هذا التعليل مع ضم تعليل حديث المريض الذي تقدم أن كل شهيد كذلك؛ لأن المبطون والغريق والشريق والحريق وصاحب الهدم وذات الجنب والسل وصاحب اللقوة والمتردي من رؤوس الجبال واللديغ ومن قتل دون ماله أو أهله أو دينه أو دمه أو مظلمته وفريس السبع ومن خر عن دابته كلهم متجه فيهم تعليل القرطبي للذي مات بالاستسقاء؛ لأن هؤلاء يموتون وكل منهم حاضر العقل عارف بالله. ولكني لا أسلم لهذا التعليل أبدًا؛ لأن موت الفجأة كذلك، ولأن المقصود من سؤال القبر الاختبار عن


(١) "نوادر الأصول" ص ٤٠٤.
(٢) "شرح الصدور" ص ٢٠٨.
(٣) "شرح الصدور" ٢٠٨.
(٤) "شرح الصدور" ص ٢٠٨ - ٢٠٩.