للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن أبي الدنيا أنشَدَنا الرياشى:

مقيمٌ إلى أن يبعثَ اللهُ خلقَهُ ... لقاؤك لا يُرجى وأنت قريبُ

تزيدُ بلاءً في كل يوم وليلة ... وتنسَى كما تَبلى وأنتَ حبيبُ (١)

وروى أبو نعيم أن داود الطائي اجتازَ على مقبرة وامرأة عند قبر تقول: هذين البيتين فسمعهما فكان ذلك سببُ توبته يعني: انقطاعه عن الدنيا وأسبابها واشتغاله بالآخرة والاستعداد لها.

وأخرج ابن أبي الدُنيا في "كتاب الخائفين"، عن الحسن بن صالح أنه كان إذا صعد المنارة يعني: ليؤذن أشرف على المقابر، فإذا نَظر إلى الشمس تحوم على القبور، صَرخ حتى يسقط مغشيًا عليه، فيُحمل وينزل به، وشهد يومًا جنازة، فلما قرب الميت ليُدفن نظر إلى اللحد فأرفضَّ عرقًا، ثمَّ مال فغُشي عليه، فحُمل على سرير الميت فرُد إلى منزله (٢).

وذُكرَ أنّ امرأة كانت بالمدينة، وكانت تزهو فدخلت يومًا المقابر، فرأت جُمجةً فصرخت، ثم رجعت مُنيبة فدَخل عليها نساؤها فقلنَ ما هذا فقالت:

بكى قلبي لذكر الموت لمّا ... رأيْتُ جاجمَ فوق القبور

ثم قالت: أخرجْنَ من عندي، فلا تأتيني منكن امرأةٌ إلا امرأةً ترغب في خدمة الله، ثم أقبلت على العبادة.

وأخرج عن عيسى الخواص، أن رجلًا من الصَدْر الأوَّل دخل


(١) "القبور" ص ١٣٢ (١٤٨).
(٢) أورده ابن الجوزي في صفة الصفوة ٣/ ١٠٥.