للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليّ كرم الله وجهه، وصار الأمر إلى ما قَدَّر الله سبحانه وتعالى (١).

واعلم أن عليًا رضي الله عنه لم تُزينه الخلافة، بل هو زانَها، كما قال الإمامُ أحمد رضي الله عنه، وكان الناس محتاجين إلى علم عليّ رضي الله عنه، حتى قال عُمر رضي الله عنه: آه من معضلة ليس لها أبو حسن.

وروى الإمام ابن الجوزي في "تبصرته" (٢) عن أبي صالح قال: قال معاوية بن أبي سفيان لضرار بن ضمرة: صف لي عليًّا فقال: أو تُعفيني يا أمير المؤمنين؟ فقال: بل تصفه لي، قال: أو تُعفيني قال: لا أُعفيك قال: أمّا إذ لابُد، فإنه كان والله بعيدَ المدى، شديدَ القُوى. يقول فَصْلًا ويحكمُ عَدْلًا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحشُ من الدُنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، يُعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، كان والله كأحدِنا يُجيبنا إذا سألناه، ويبتدئنا إذا آتيناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحنُ والله مع تقريبه لنا وقُربه منا، لا نُكَلِّمه هَيْبةً ولا نَبتديه لعظمته، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يُعظم أهل الدين، ويُحب المساكين، ولا يَطمع القويّ في باطله، ولا ييأس الضعيفُ من عدله، فأشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سجوفه، وغارت نجومه، وقد مَثُل في محرابه قابضًا على لحيته، يتململُ تململَ السليم: أي الذي


(١) إلى هنا ينتهي النقل من "الإشاعة" ص ١٦ - ١٨.
(٢) انظر "الاستيعاب" (٣/ ٤٣) و"أعلام النصر المبين في المفاضلة بين أهل صفين" للكلبي (١٥١) التبصرة (٣٦٠).