للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد لدغته حَيّة ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعُه وهو يقول: يا دُنيا يا دُنيا أليّ تعرّضتِ، أم لي تشوّقتِ، هيهات هيهات، غِرِّي غيري، قَدْ بِنْتُكِ ثلاثا لَا رجعةَ لي فيكِ، فَعُمْرُكِ قصير، وعيْشُكِ حقير، وخطرك كبير، آه من قلّة الزّادِ وبُعدِ السفر، ووحشةِ الطَّريق.

قال: فذرفت دموعُ معاوية، فما يملكها وهو ينشفها بكمه، وقد اختنق القوم بالبكاء، ثم قال مُعاوية: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حُزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزنُ من ذُبح ولدُها في حجرِها، فلا ترقى عبرتها، ولا تسكن حسرتها، ولله درّ القائل:

أهوى عليّا وإيماني مَحبَّتُه ... كم مشركٍ دمُه من سيفه وكفا

إن كنتَ ويحك لم تسمع مناقبَه ... فاسمع مناقبه مِنْ هل أتى وكفا

قال البرزنجي في "الإشاعة" (١)، عن يزيد بن الأصم قال: سئل عليّ كرم الله وجهه عن قتلى يوم صفين، قال: قتلانا وقتلاهم في الجنة، ويصيرُ الأمرُ إليّ وإلى مُعاوية. وتقدم (٢) ما رأى عمرُ بن عبد العزيز من أنّ عليّا ومعاوية أدخلا بيتا، وأجيف عليهما، ثم خرج عليّ وهو يقول: قُضي لي عليه ورَبِّ الكعبة، فلم يلبث أن خرج معاوية وهو يقول: غُفر لي ورَبِّ الكعبة، وقال عليّ رضي الله عنه: إن الله جعل قتلنا إياهم - يعني أصحابَ معاوية - كفارة لذنوبهم، وقال: من كانَ يُريدُ وجه الله منا ومنهم نجا، قال في "الإشاعة" (٣) ذكر ابن عساكر أن رجلًا جاء إلى أبي زرعة الرازي، فقال: إني أبغض معاوية قال: لِمَ؟ قال: لاْنه قاتَلَ عليّا بغير حق.


(١) و (٢) "الإشاعة" ص (١٨).
(٣) ص ٣١٩.