للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو زرعة: ربُّ معاوية ربّ رحيم، وخصمه خصم كريم، فما دخولك بينهما؟

واعلم أن الواجب على كلّ مسلم اعتقاده حسن الظن بالصحابة رضي الله عنهم، والكفُّ عما وقع بينهم، فالخائض في ذلك خائب، والمتعرض لشتمة أحد منهم كاذب، فهم رضي الله عنهم معذورون باجتهادهم، لمُصيبهم أجران، ولمخطئهم أجرٌ واحد، وما أحسن قول القائل:

ونَسكت عن حرب الصحابة فالذي ... جرى بينهم كان اجتهادًا مُجردا

فقد جاء في الأخبار أن قتيلَهم ... وقاتلهم في جنة الخلد خُلّدا

ومنها وقعة نهروان (١): أخرج ابن جرير عن محنف بن سليم قال: أتينا أبا أيّوب، فقلنا: يا أبا أيوب، قاتلت المشركين بسيفك مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم جئتَ تقاتل المسلمين؟ فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بقتال ثلاثة: الناكثين والقاسطين والمارقين، فقد قاتلتُ الناكثين والقاسطين، وأنا مقاتل إن شاء الله المارقين، وفي رواية أبي صادق عنه، "عهد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نقاتل مع عليّ الناكثين، فقد قاتلناهم" (٢). يعني في وقعة الجمل، وذلك لأن طلحة والزبير رضي الله عنهما نكثا البيعة، "وعهد إلينا أن نقاتل معه - أي مع علي - القاسطين"، يعني الظالمين وأراد بهم أصحاب معاوية؛ لأنهم ظلموا


(١) انظر "الإشاعة" (١٩).
(٢) رواه الطبراني في المعجم الكبير ٤/ ١٧٢ (٤٥٤٩)، وابن عدي في الكامل ٢/ ١٨٧ (ترجمة الحارث بن حصيرة). وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد ٦/ ٢٣٥ وقال: فيه محمد بن كثير الكوفي وهو ضعيف.