للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طلبوا منه النزول على حكم ابن زياد والمبايعة ليزيد، فقال دعوني أذهب إلى يزيد فأبى ابن زياد إلَّا النزول على حكمه، فقال: والله لا نزلتُ على حكمه أبدا فقاتلوه، وكان أكثر مقاتليه المكاتبين إليه والمبايعين له، قاتلهم الله، فحارب الحسين - رضي الله عنه - ذلك العدد الكثير، وجملة من معه من أهله نيف وثمانون، فثبت في ذلك الموقف ثباتًا باهرًا ولولا أنهم أحالوا بينه وبين الماء، مع القَدَرِ المحتوم ما قدروا عليه، ولمّا بلغ القتلى من أهله خمسين، نَادَى أما ذَابُّ يذّبُّ عن حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فخرج يزيد بن الحارث رجاء شفاعة جده، فقاتل بين يديه حتى قُتل، ثمَّ فني أصحابه وبقي بمفرده فحمل عليهم حملة عمه حمزة، وصولة والده عليّ - رضي الله عنهم -، حتى قتل كثيرًا من شجعانهم، فكثروا عليه وحالوا بينه وبين حريمه، فصاح عليه السلام كُفوا سفهاءكم عن النساء والأطفال، فكفّوا، ثمَّ لم يزل يقاتلُهم حتى أثخنوه بالجراح، فإنَّه طعن إحدى وثلاثين طعنة، وضرب أربعًا وثلاثين ضربة، ومع ذلك غلب عليه العطش، فسقط إلى الأرض فحزّوا رأسه، وذلك نهارُ الجمعة عاشر المحرم عام إحدى وستين، ولما وضع رأسه الشريف بين يدي كافر النفس بن زياد، زاده الله في دركات جهنم هبوطًا أنشد قاطعُ الرأس متبجحًا بذلك، عليه غضب المالك فقال:

أوقر ركابي فضة وذهبا ... إني قتلت ملكًا محجبا

قتلتُ خيرَ الناسِ أمَّا وأبَا ... وخيرهم إذ يَنسبون نسبا فأمر بضَرب عُنُقه وقال: إذ علمتَ أنَّه كذلك: فلم قتلته؟ فخسر الدنيا والآخرة فلعنة الله عليه، ومن تأمل فيما وقع لهذين السيّدين، من عظيم الاتفاق انبهر، فإن جعدة سمَّت الحسن، طلبًا