للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورجال، يقودونها لا تمر بجبل إلَّا دكته.

ويخرج من ذلك مثل النهر أحمر وأزرق، له دوي كدوي الرَّعد يأخذ الصخور من بين يديه، وينتهي إلى مَحطّ الرَّكب العراقي، واجتمع من ذلك ردم كالجبل العظيم، فانتهت النار إلى قرب المدينة، ومع ذلك كان يأتي المدينة نسيم بارد.

قال في "الإشاعة" (١): وشوهد لهذه النار غليان، كغليان البحر، قال القاضي سنان فطلَعْتُ إلى الأمير وكان عز الدين منيف (٢)، فقلت له: قد أحاط بنا العذابُ فارجع إلى الله تعالى فأعتَقَ كل مماليكه، ورد على الناس مظالمهم، وأبطل المكس، ثمَّ هبط إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبات في المسجد ليلة السبت، معه جميع أهل المدينة حتى النساء والصغار، وباتوا يتضرعون ويبكون، وكشفوا رؤوسهم واعترفوا بذنبوهم، واستجاروا بنبيهم (٣)، فصرف الله تلك النار عنهم، ذات الشمال فسارت من مخرجها ببحر عظيم من النار، واستمرت مدة ثلاثة أشهر. قال المطرزي: كانت تذيب الحجر، ولا تحرق الشجر، وهذا من العجائب.

وذكر القسطلاني: أن هذه النار لم تزل مارة على سبيلها حتى اتصلت بالحرة، ووادي الشظاة، وهي تسحق ما والاها وتذيب ما


(١) الإشاعة ص ٣٩.
(٢) عز الدين منيف بن شيحة الحسيني كان أمير المدينة عند ظهور نار الحرة بالمدينة، انظر "تحفة السخاوي" (١/ ٤٢٩).
(٣) انظر الصفحة السابقة.