للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الموت، ولكن بَكَوْا من حسرة الفَوت، فاتتهم والله دارٌ لم يتزودوا منها، ودخلوا دارًا لم يتزوّدوا لها، فأيّةُ ساعةٍ مرّت على من مضى؟! وأيةُ ساعةٍ بقيت علينا؟!، والله إن المتفكر في هذا؛ لجديرٌ أن يَترُكَ الأوطانَ، ويهجرَ الخلّان، ويدَع لها ما عزّ وما هان.

قال الإشبيلي في "العاقبة" (١): رُوي أنّ ملِكًا من ملوك بني إسرائيل كان كلما وُلدَ له ولد فبلغ ما يبلغ الرّجالُ، ويعقل ما يعقل الرّجالُ؛ لبس مسوحه وتعلق برؤوس الجبال، وسلك بطون الأودية يعبد الله عزّ وجل.

فلم يزل ذلك دأبهُ حتى ولد له مولود فجمع رجاله وخاصّته وقال تعلمون ما كان منْ أمر بَنِيّ وأنه ليس منهم واحد بقى معي ولا التفت إليّ، وإنه ليس يصلح لكُم ولا يستقيم أمركم إلا بأن يليكم واحد من ولدي، وإني أخاف إن لم يكن ذلك تهَلكوا بهلاكي، فخذوا ولدي هذا فرَبّوه وقوموا بأمره فإذا شبّ وعقل، فزينوا له الدنيا وعظموا قدرها عنده ثمّ أمَرَ فبُنِي له قصر عظيم: فرسخ في فرسخ، وجمع له المراضع، وأكثر له من الحواضن، ووكل به رجالا من عقلاء أصحابه ووجوه دولته، وأمر إذا فَهِمَ وعَقَلَ أن لا يخرج من ذلك القصر، وأن لا يُذكرَ عنده الموت، ولا يكون ميتٌ في موضع يكون فيه، مخافة أن يسمع بالموت أو يرى ميّتا فيسأل عنه، فيفسر له، فتتنغّص عليه لذّته، وتتكدّر عليه حياتُه، ويزهد في


= وقال الدارقطني: لا بأس به.
(١) ص ٤٦.