للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الملك، ويسلك مسلك إخوته ويلحق بهم.

فبقي الغلام على ذلك لا يذكرون له موتا، ولا يُسمِعونه خبر موت ولا يطلعونه عليه ولا يذكر عنده إلّا الدّنيا وتعظيمها والفرح بها، والإقبال عليها، وتعظيم آبائه الملوك، وأجداده العظماء، والترغيب في الاقتداء بهم والمشي على طريقتهم، والاستنان بسنتهم، إلى أن شبّ الغلام، وعقل ما يعقله الناس.

فمشى ذات يوم في ذلك القصر وطاف في أرجائه، وقد أحدق به خاصّته الموكلون به، فانتهى إلى سور القصر فقال: ما وراء هذا السور؟ وما خلف هذا الحائط؟ فقالوا له: وراءه الأرض الوَاسعة، والبلاد الكثيرة، والجمّ الغفير من الناس، وكل ذلك لك وللملك أبيك. فقال: أخرجوني حتى أنظر وأرى، فأبَوْا حتى يشاوروا أباه، فشاوروه وأخبروه أنه يريد الخروج، ويرى الناس، وظنوا أنه يحكمهم، فأذن لهم فأخرجوه فرأى ونظر، فأوّل من وقع عليه بصره من الناس شيخ كبير، قد سال لعابه وسقط حاجباه على عينيه من الكبر. فقال: ما هذا؟ قالوا: شيخ كبير. قال: وما شيخ كبير؟ قالوا: كان شابّا فعمر وعاش حتى أصابه الهرم فعمل به ما ترى قال: وما الهرم؟ قالوا: الكبر وطول العمر، يعيش إلى أن تقل طاقته، وتضعف حركته، حتى لا يقدر أن يُمسك لعابه في فيه، مع علِل أخرى تعتريه من طول الحياة قال: أو يصيبكم هذا؟ أو هو شيء يصيب قومًا دون قوم؟ قالوا: ليس هو مختصًا بأحدٍ دون أحد، بل