للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يصيب كل من طال عمرُه. قال: ويصيبني أنا مع ما أنا فيه من النعيم، وضروب اللذات، وبلوغ الشهوات؟ قالوا: ويصيبك أنت إن طال عمرك (١). فقال: أفٍ لعيش يكون آخره هذا.

ثم رجع ورجعوا إلى قصره [وقد] (٢) تكدّر عليه بعض نعيمه، وتنغّص عليه بعض ما كان فيه، فعالجوه بكل لهو وباطل، حتى أستخرجوا من قلبهِ ما كان وقع فيه من أمر الهَرَم والكبر، فأقام عاما، ثمّ إنه أمرهم بأنْ يُخرجوه ثانيا، فأبَوْا عليه، وخافوا من أبيه، ثم إنَّه عزم عليهم فأخرجوه، فأوّل من رأى مِن الناس شابًا به جُذام أو غيرُهُ من الأدواء. فقال: ما هذا؟ ومِمَّ يكون هذا؟ قالوا: هذا فساد في المزاج وتحريك في الأخلاط، فيتولد عنه هذا وغيره قال: وهذا وحده أصابه، أو كلكم خائف منه أن يصيبه هذا الداء؟ فقالوا: ما عند أحدٍ أمان كلُّ واحدٍ خائف من هذا الداء ومن غيره، الدارُ دارُ أمراض وأسقام وبلايا ورزايا. قال: وأنا خائف؟ قالوا: وأنت خائف، قد أخبرناك أنه ليس لأحد أمانٌ في هذه الدنيا، فأصابه من الغم أكثر مما أصابه في المرّة الأُولى.

فرجع ورجعوا، ولم يزالوا يشغلونه بضروب المحاب، وأصناف الملاذ، حتى أخرجوا من قلبه ما كان قد وقع فيه، فأقام كذلك حولًا، ثم قال: أخرجوني فأخرجوه، فنظر فإذا ميت يُحملُ


(١) في هامش الأصل: وفي نسخة: إن طالت بك الحياة.
(٢) ساقطة من (أ).