للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجوع، ما أكلوا به العظام والميتة والجلود، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يَرون إلَّا الدخان من ظلمة أبصارهم من شدة الجوع، فأتاه أبو سفيان بن حرب فقال: يا محمّد إنك جئت تأمرُ بالطاعة وصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم فإنهم لك مطيعون فقال (١) تعالى حكايةً عنهم: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان: ١٢] فدعى فكشف، فقال تعالى: {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (١٥)} [الدخان: ١٥] أي إلى كفركم (٢).

قال العلامة: كلامُ ابن مسعود موافق لظاهر الآية، فلا دليل فيها للجمهور، وإنما الدليل لهم من السنة. ولعل ذلك لم يبلغ ابن مسعود، حين أنكر ذلك على أنه ورد عن ابن مسعود أنه كان يقول: همُا دخانان مضى واحد والذي بقي يملأ ما بين السماء والأرض، ولا يجدُ المؤمن منه إلا كالزكمة، وأما الكافر فيشقُ مسامعه، فيبعثُ اللهُ عند ذلك الريحَ الجنوبَ من اليمن، فتقبضُ روحَ كل مؤمن، ويبقى شِرار الناس.

وأخرج الإمامُ أحمد ومسلم عن ابن عمرو (٣) رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يجيء بعد موتِ عيسى عليه السلام ريحٌ باردة من قِبَل الشام، فلا تُبقي على وجهِ الأرض أحدًا في قلبه مِثقال ذرة


(١) في (ب): قال.
(٢) رواه البخاري (١٠٠٧) و (٤٦٩٣) و (٤٨٢١ - ٤٨٢٥)، ومسلم (٢٧٩٨).
(٣) في الأصل: ابن عمر.