للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يصبح لا يملك تقديمَ ما ... يرجو ولا تأخير ما يحذر

وأصبح الأمر إلى غيره ... في كل ما يُقضَى وما يُقدر (١)

قال القرطبي: قال العلماء: ليس للقلوب أنفع من زيارة القبور وخاصة إن كانت قاسية فعلى أصحابها أن يعالجوها بأربعة أمور:

أحدُها: الإقلاع عما هي عليه بحضور مجالس العلم بالوعظ والتذكير والتخويف، والترغيب وأخبار الصالحين، فإن ذلك مما يلين القلوب.

الثاني: ذكر الموت، فيكثر من ذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات، وموت البنين والبنات.

يُروى أن امرأة شكتْ إلى سيدتنا عائشة رضي الله عنها قساوة في قلبها فقالت لها أكثري من ذكر الموت يرق قلبك، ففعلت ذلك فَرَقّ قلبها، فجاءت تشكر عائشة (٢).

قال القرطبي عن العلماء: فذكر الموت يردعُ عن المعاصي، ويلين القلب القاسي، ويُذهبُ الفرحَ بالدُنيا ويهوّن المصائب فيها.

الثالث: مشاهدة المحتضرين، فإن في النظر إلى الميت، ومشاهدة سكراته ونزعاته، وتأمّل صورته بعد مماته، ما يقطع عن النفوس لذاتها، ويطرُد عن القلوب مَسرَّاتها، ويمنع الجفون من النوم، والأبدان من الراحة، ويبعث على العمل والاجتهاد، في عبادة الكريم الجواد.


(١) الأبيات في "التذكرة" ص ٢٦ - ٢٧ نسبها لأبي العتاهية.
(٢) كذا في "التذكرة" ص ٢٧ ولم أقف عليه.