للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سيئاتُ المقربين، ومن ثمّ جاء في بعض الروايات: والله ما جادل بهنَّ إلا عن دين اللهِ هي قوله تعالى: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} (١) وقوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} وقوله لامرأته حين مرّ على الملك: هي أختي، وهذه ليستْ بكذبات وإنَّما هي صور يخيل لمن لم يمعن النَّظرَ في ذلك أنهَا كذبات، وإلا فقوله: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} إنَّما هو تنبيه لهم لعلهم أنْ يعلموا أنّ ذلك الصنم لا يفعلُ شيئًا وإذا جَزَمَتْ عقولهم أنه لا قدرةَ له على فعلِ شيء بطل أن يكونَ ربَّا يُعْبَدُ بالضرورة فقال سيّدُنا الخليل لهم إنَّ الكبيرَ غضبَ على الصّغار لكوْنها تُعبدُ معه، وذلك ليعتبروا أنّ المعبودَ بحقٍ يغضبُ بعبادةِ غيره مما لا يملك لنفسهِ ضرًا ولا نفعًا، وتأمّل قولَه - صلى الله عليه وسلم -: "فاسألوهم" كما أنه يقول لهم: أنْتم


(١) قال السجاوندي رحمنا الله هاياه في علل الوقوف (٢/ ٧٠٧): قد قيل على تأويل فعله من فعله وفيه بعد بل هو تعريض على أنه ممكن تعليقه بقوله {إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} على التقديم، وتأخير قوله فاسألوهم.
وقال الأشموني في "المنار" (٢٥٠) حيث قال: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ} تام، أي فعله من فعله، أبهم إبراهيم عليه السلام الفاعل تعريضًا للمعنى المقصود الذي أراده، فرارًا من الوقوع في الكذب فهو منقطع عما بعده لفظًا ومعنى، فهو تام، قاله الكسائي، وقوله: {كَبِيرُهُمْ هَذَا} جملة من مبتدأ وخبر، استئنافية لا تعلق لها بما قبلها، أو هي بأن هذا الصنم المشار إليه أكبر الأصنام، وهذا صدق محض، بخلاف ما لو جعل {كَبِيرُهُمْ} فاعلًا بفعله فإنه يحتاج إلى تأويل ذكروه، وهو حسن؛ لأنه من المعاريض، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب" ومن جوز الكذب في إبطال باطل وإحقاق حق فهو حسن جائز بالإجماع. ا. هـ