للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه، وحملَ معها ابنها سلمة بن أبي سلمة في حجرها، ثمّ خرجَ بها يقود بها بعيره فرأته رجال بني المغيرةِ فقاموا إليه، وقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها أرأيت صاحبتك هذه علام نتركك تسير بها في البلاد؟! فنزعوا خطامَ البعيرِ من يده فأخذوها منه، وغضبت عند ذلك بنو عبد الأسد رهط أبي سلمة، فقالوا: لا واللهِ لا نترك ابننا عندها إذا نزعتموها من صاحبنا، فتجاذبوا ابنه سلمة بينهم حَتَّى خلعوا يده. القصة بتمامها في السيرة، فجوزي الأسود بأنْ خلعَ اللهُ يدَه كما خلعَ يدَ الغلامِ فالجزاء من جنس العمل ولقدْ أشرتْ لأمرِ هذين الأخوين، والتفاوت بينهما في المرتبتين في قولي:

سل الراحم المولى العناية تهتدي ... وقف بباب مولاك الكريم ووحّد

وكنْ خائفا من مكره وارج عفوه ... وجد على فعل المكارم تسعد

ولا تغترر يا ذا المحامد والنهى ... بأسلافك الماضين أهل التهجد

أبو سلمة الأعلا أخو الأسود الشقي ... كذاك أبو لهبٍ قرابة أحمد

قال القرطبى في "التذكرة" (١): إذا وقفَ النّاسُ على أعمالِهم من الصحف التي يؤمر بها بعد البعثِ حوسبوا بها قال تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (٨)} [الانشقاق: ٨] فدل على أنّ المحاسبَة تكونُ عند إتيان الكتب لأنّ النّاسَ إذا بُعثوا لمْ يكونوا ذاكرين لأعمالِهم قال تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة: ٦] فإذا بُعثوا مِن قبورهم إلى الموقف، وقاموا فيه ما شاء اللهُ، وجاء وقتُ الحساب الذي يريد اللهُ أنْ يحاسبهم فيه أمرَ


(١) ص ١/ ٣٨٧، ٣٨٨.