للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انصرف فأخذ بيدي ثم خرج بي إلى بطحاء مكّة، فأجلسني ثم خط عليَّ خطة ثم قال: "لا تبرحن خطك فإنَّه سينتهي إليك رجال فلا تكلمهم فإنهم لا يكلمونك" ثم مضى - صلى الله عليه وسلم - حيث أراد فبينا أنا جالس في خطِّي إذ أتاني رجال كأنهم الزط أشعارهم وأجسامهم لا أرى عورة ولا أرى قشرَا وينتهون إليّ لا يجاوزون الخط ثم يصدرون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتَّى إذا كان من آخر الليل لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاءني وأنا جالس فقال: "لقد رأى منذ الليلة" ثم دخل عليّ في خطِّي فتوسد فخذي فرقد وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رقد نفخ فبينا أنا قاعد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوسد فخذي إذا أنا برجال عليهم ثياب بيض الله أعلم ما بهم من الجمال فانتهوا إليّ فجلس طائفة منهم عند رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطائفة منهم عند رجليه ثم قالوا: ما رأينا عبداً قد أوتي مثل ما أوتي هذا النَّبيّ إن عينيه تنامان وقلبه يقظان اضربوا له مثلاً، مثل سيد بني قصراً ثم جعل مأدبة فدعا النَّاس إلى طعامه وشرابه فمن أجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه ومن لم يجبه عاقبه أو قال عذبه ثم أرتفعوا واستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك فقال: "سمعت ما قال هؤلاء وهل تدري من هم؟ " قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "هم الملائكة فتدري بالمثل الذي ضربوه؟ " قلت: الله ورسوله أعلم قال: "الرحمن بنى الجنَّة ودعا إليها عبادة فمن أجابه دخل الجنَّة ومن لم يجبه عذبه" (١). ولشيخ الإسلام ابن


(١) رواه التِّرمذيُّ (٢٨٦١) كتاب: الأمثال، باب: ما جاء في مثل الله لعباده وأحمد ١/ ٤٥٥.