وقالت طائفة ثالثة: ليس لأحدهما على الآخر فضيلة إلَّا بالتقوى، فأيهما كان أعظم إيمانًا وتقوى، كان أفضل. وإن استويا في ذلك استويا في الفضيلة. وهذا أصح الأقوال، لأن الكتاب والسنة إنما تفضل بالإِيمان والتقوى، وقد قال تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا}، وقد كان في الأنبياء والسابقين الأولين من الأغنياء من هو أفضل من أكثر الفقراء. وكان فيهم من الفقراء من هو أفضل من أكثر الأغنياء. والكاملون يقومون بالمقامين: فيقومون بالشكر والصبر على التمام، كحال نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وحال أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. ولكن قد يكون الفقر لبعض الناس أنفع من الغنى، والغنى أنفع الآخرين، كما تكون الصحة لبعضهم أنفع، كما في الحديث الذي رواه البغوي وغيره ... إن من عبادي من لا يصلحه إلَّا الفقر ولو أغنيته: لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلحه إلَّا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك، إني أدبر عبادي، إني بهم خبير بصير". وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم"، وفي الحديث الآخر، لما علم الفقراء الذكر عقب الصلوات، سمع بذلك الأغنياء، فقالوا مثلما قالوا، فذكر ذلك الفقراء للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء". فالفقراء متقدمون في دخول الجنة لحق الحساب عليهم والأغنياء مؤخرون لأجل الحساب. ثم إذا حوسب أحدهم، فإن كانت حسناته أعظم من حسنات الفقير، كانت درجته في الجنة فوقه وإن تأخر في الدخول. كما أن السبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب، ومنهم عكاشة بن محصن. وقد يدخل الجنة بحساب =