وقد قال ابن القيم في زاد المعاد: (٣/ ٤٧٧، ٤٧٩): اقتضت حكمة الله أن فتح مكة كان سبباً لدخول كثير من قبائل العرب في الإِسلام كانوا يقولون: دعوه وقومه، فإن غلبهم دخلنا في دينه, وإن غلبوه كفونا أمره، فلما فتح الله عليه استمر بعضهم على ضلاله فجمعوا له وتأهبوا لحربه، وكان من الحكمة في ذلك أن يظهر الله أن الله نصر رسوله لا بكثرة من دخل في دينه من القبائل ولا بانكفاف قومه عن قتاله، ثم لما قدر الله عليه من غلبته إياهم قدر وقوع هزيمة المسملين مع كثرة عددهم وقوة عددهم ليتبين لهم أن نصر الحق إنما هو من عنده لا بقوتهم، ولو قدر أن لا يغلبوا الكفار ابتداء لرجع من رجع منهم شامخ الرأس متعاظماً، فقدر هزيمتهم ثم أعقبهم النصر ليدخلوا مكة كما دخلها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح متواضعاً متخشعاً، واقتضت حكمته أن غنائم الكفار لما حصلت ثم قسمت على من لم يتمكن الإِيمان من قلبه لما بقي فيه من الطبع البشري في محبة المال فقسمه فيهم لتطمئن قلوبهم وتجتمع على محبته، لأنها جبلت على حب من أحسن إليها، ومنع أهل الجهاد من أكابر المهاجرين ورؤساء الأنصار مع ظهور استحقاقهم لجميعها لأنه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصوراً عليهم، بخلاف قسمته على المؤلفة لأن فيه استجلاب قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم، فلما كان ذلك العطاء سبباً لدخولهم في الإِسلام ولتقوية قلب من دخل فيه قبل تبعهم من دونهم في الدخول، فكان في ذلك عظيم المصلحة، ولذلك لم يقسم فيهم من أموال أهل مكة عند فتحها قليلاً ولا كثيراً مع احتياج الجيوش إلى المال الذي يعينهم على ما هم فيه، فحرك الله قلوب المشركين لغزوهم، فرأى كثيرهم =