قالوا: وأما كون الفطر كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالمراد به واقعة معينة، وهي غزاة الفتح، فإنه صام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر، فكان فطره آخر أمريه، لا أنه حرم الصوم، ونظير هذا قول جابر: "كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مسته النار" إنما هو في واقعة معينة، دُعي لطعام وأكل منه، ثم توضأ وقام إلى الصلاة، ثم أكل منه وصلى ولم يتوضأ، فكان آخر الأمرين منه ترك الوضوء مما مست النار. وجابر هو الذي روى هذا وهذا، فاختصر بعض الرواة والأمر منه على آخره. ولم يذكر جابر لفظاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن هذا آخر الأمرين منه وكذلك قصة الصيام، وإنما حكوا ما شاهدوه أنه فعل هذا وهذا، وآخرهما منه الفطر، ترك الوضوء، وإعطاء الأدلة حقها يزيل الاشتباه والاختلاف عنها. وأما قصة دحية بن خليفة الكلبي، فإنما أنكر فيها على من صام رغبة عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وظنَّاً أنه لا يسوغ الفطر. ولا ريب أن مثل هذا قد ارتكب منكراً، وهو عاص بصومه. والذين أمرهم الصحابة بالقضاء وأخبروا أن صومهم لا يجزيهم، هم هؤلاء، فإنهم صاموا صوماً لم يشرعه الله، وهو أنهم ظنوا أنه حتم عليهم كالمقيم. ولا ريب أن هذا حكم لم يشرعه الله، فلم يمتثلوا ما أمروا به من الصوم، فأمرهم الصحابة بالقضاء. هذا أحسن ما حمل عليه قول من أفتى بذلك من الصحابة، وعليه يحمل قول من قال منهم: "الصائم في السفر كالمفطر في الحضر" وهذا من كمال فقههم، ودقة نظرهم -رضي الله عنهم-. =