قالوا: وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أولئك العصاة" فذاك في واقعة معينة، أراد منهم الفطر فخالفه بعضهم، فقال هذا: ففي النسائي عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة عام الفتح في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس معه، فبلغه أن الناس شق عليهم الصيام، فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب، والناس ينظرون، فأفطر بعض الناس وصام بعض. فبلغه أن ناساً صاموا. فقال: "أولئك العصاة" فالنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أفطر بعد العصر ليقتدوا به، فلما لم يقتد به بعضهم قال: "أولئك العصاة"، ولم يرد بذلك تحريم الصيام مطلقاً على المسافر. والدليل عليه: ما روى النسائي أيضاً عن أبي هريرة قال: "أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمر الظهران، فقال لأبي بكر وعمر: "ادنيا، فكلا". فقالا: إنا صائمان. فقال: "ارحلوا لصاحبكم. اعملوا لصاحبكم"، وأعله بالإِرسال. ومر الظهران: أدنى إلى مكة من كراع الغميم، فإن كراع الغميم بين يدي عسفان بنحو ثمانية أميال، وبين مكة وعسفان ستة وثلاثون ميلاً. قالوا: وأما احتجاجكم بالآية، وأن الله أمر المسافر بعدة من أيام أخر، فهي فرضه الذي لا يجوز غيره، فاستدلال باطل فطعاً. فإن الذي أنزلت =