للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأجاب: المانعون عن الحديث بأوجه:

أحدها: أن مالكاً لم يجد عمل المدينة عليه، وهذا خاص بقاعدة مالك في ذلك.

ثانيها: أنه اختلف في إسناده واضطرب. قاله القرطبي والقاضي عياض: (١) إنما قاله في حديث ابن عباس الآتي وهو عذر


= النيابة. وأما الصوم الذي فرضه الله عليه ابتداء فهو أحد أركان الإِسلام. فلا يدخله النيابة بحال، كما لا يدخل الصلاة والشهادتين. فإن المقصود منها طاعة العبد بنفسه، وقيامه بحق العبودية التي خلق لها وأمر بها. وهذا لا يؤديه عنه غيره، كما لا يسلم عنه غيره، ولا يصلي عنه غيره. وهكذا من ترك الحج عمداً مع القدرة عليه حتى مات، أو ترك الزكاة فلم يخرجها حتى مات. فإن مقتضى الدليل وقواعد الشرع: أن فعلهما عنه بعد الموت لا يبرىء ذمته. ولا يقبل منه. والحق أحق أن يتبع.
وسر الفرق: أن النذر التزام المكلف لما شغل به ذمته، لا أن الشارع ألزمه به ابتداء، فهو أخف حكماً مما جعله الشارع حقّاً له عليه، شاء أم أبى، والذمة تسع المقدور عليه والمعجوز عنه. ولهذا تقبل أن يشغلها المكلف بما لا قدر له عليه، بخلاف واجبات الشرع. فإنها على قدره طاقة البدن، لا تجب على عاجز. فواجب الذمة أوسع من واجب الشرع الأصلي، لأن المكلف متمكن من إيجاب واجبات كثيرة على نفسه لم يوجبها عليه الشارع، والذمة واسعة، وطريق أداء واجبها أوسع من طريق أداء واجب الشرع، فلا يلزم من دخول النيابة في واجبها بعد الموت دخولها في واجب الشرع. وهذا يبين أن الصحابة أفقه الخلق، وأعمقهم علماً، وأعرفهم بأسرار الشرع ومقاصده وحكمه، وبالله التوفيق.
(١) في ن ب زيادة (من).

<<  <  ج: ص:  >  >>