للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= عين طاهرة يُنتفع بها، فجاز بيعها كالمذكَّى، وقال بعضهم: بل هذا ينبني على أن الدبغ إزالة أو إحالة، فإن قلنا: إحالة، جاز بَيعُه لأنه قد استحال من كونه جزء ميتة إلى عين أخرى، وإن قلنا: إزالة، لم يجزْ بيعُه، لأن وصف الميتة هو المحرمُ لبيعه، وذلك باق لم يستحل.
وبنوا على هذا الخلاف جواز أكله، ولهم فيه ثلاثة أوجه: أكله مطلقاً، وتحريمه مطلقاً، والتفصيلُ بين جلد المأكول وغير المأكول، فأصحاب الوجه الأول، غلبوا حكم الإِحالة وأصحاب الوجه الثاني، غلَّبوا حكم الإِزالة، وأصحاب الوجه الثالث أجروا الدباغَ مجرى الذكاة، فأباحوا بها ما يُباح أكله بالذكاة إذا ذكي دون غيره، والقولُ بجواز أكله باطل مخالف لصريح السنَّة، ولهذا لم يُمكن قائلُه القول به إلَاّ بعد منعه كونَ الجلد بعد الدبغ ميتة، وهذا منع باطل، فإنه جلد ميتة حقيقة، وحساً وحكماً، ولم يحدث له حياةٌ بالدبغ ترفع عنه اسم الميتة، وكون الدبغ إحالةً باطل حساً، فإن الجلد لم يستحل ذاتُه وأجزاؤه، وحقيقته بالدباغ، فدعوى أن الدباغ إحالة عن حقيقة إلى حقيقة أخرى، كما تُحيل النارُ الحطب إلى الرماد، والملَاّحة ما يُلقى فيها من الميتات إلى الملح دعوى باطلة.
وأما أصحاب مالك -رحمه الله- ففي "المدونة" لابن القاسم المنعُ من بيعها وإن دبغت، وهو الذي ذكره صاحب "التهذيب". وقال المازَري: هذا هو مقتضى القول بأنها لا تطهرُ بالدباغ. قال: وأما إذا فرعنا على أنها تطهر بالدباغ طهارة كاملة، فإنا نُجيز بيعها لإِباحة جملة منافعها.
قلت: عن مالك في طهارة الجلد المدبوغ روايتان. إحداهما: يطهر ظاهرُه وباطنُه، وبها قال وهب، وعلى هذه الرواية جوز أصحابُه بيعه.
والثانية: -وهي أشهر الروايتين عنه- أنه يطهر طهارة مخصوصة يجوز معها استعمالُه في اليابسات، وفي الماء وحده دون سائر المائعات، قال أصحابه: وعلى هذه الرواية لا يجوز بيعُه، ولا الصلاة فيه، ولا الصلاةُ عليه. =

<<  <  ج: ص:  >  >>