فقال منهم قائلون: معناه الندب إلى بر الجار، والتجاوز له والإحسان إليه، وليس ذلك على الوجوب. وممن قال ذلك؛ مالك، وأبو حنيفة، وأصحابهما. ومن حجتهم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل مال امرئ مسلم إلَّا عن طيب نفس منه". وذكر ابن عبد الحكم، عن مالك، قال: ليس يقضى على رجل أن يغرز خشبة في جداره لجاره، وإنما نرى أن ذلك كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الوصاية بالجار. قال: ومن أعار صاحبه خشبة يغرزها في جداره، ثم أغضبه، فأراد أن ينزعها، فليس له ذلك، وأما إن احتاج إلى ذلك بأمر نزل به، فذلك له. قال: وإن أراد أن يبيع داره، فقال: انزع خشبك فليس ذلك له. قال أبو حنيفة، وأصحابه: معنى الحديث المذكور الاختيار، والندب في إسعاف الجار وبرِّه -إذا سأله ذلك- وهو مثل معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد، فلا يمنعها"، وهذا معناه عند الجميع الندب على حسب ما يراه الزوج من الصلاح والخير في ذلك. وقال ابن القاسم: سئل مالك عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمنعن أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره". قال مالك: ما أرى أن يقضي به، وما أراه إلا من وجه المعروف من النبي - صلى الله عليه وسلم -. =