المسألة الثانية: فيه إشارة إلى إلطاف الله تعالى بالعبد فيما قضاه وقدره وأوجبه عليه بالإِعانة على إصابة الصواب في فعله وقوله تفضلًا زائدًا على مجرد التكليف والهداية إلى النجدين، فإنه لما كان خطر الولاية عظيمًا بسبب أمور في الوالي وبسبب أمور خارجة عنه كان طلبها تكلفًا ودخولًا في غرر عظيم فهو جدير بعدم العون. ولما كانت إذا أتت عن غير مسألة لم يكن فيها هذا التكليف كانت جديرة بالعون على أعبائها وأفعالها دل ذلك على ما قررناه وهي مسألة أصولية.
المسألة الثالثة: أن من يتعاطى أمرًا سولت له نفسه أنه أهل له لا يقوم به بخلاف من عجز نفسه وقصرها عن ذلك، وهذا من ثمرات التواضع فإن من سأل الإِمارة لم يسألها إلَّا وهو يرى نفسه أهلًا لها فيوكل إليها فلا يعان ويخذل.
الرابعة: أن من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها من فعل أو ترك بأن كان التمادي على اليمين مرجوحًا في نظر الشرع والحنث خير منه أنه يستحب له الحنث ويكفر وقد يكون الحنث واجبًا وقد قام الإِجماع على أنه لا يجب عليه كفارة قبل الحنث وعلى أنه يجوز تأخيرها عن الحنث وعلى أنه لا يجوز تقديمها قبل اليمين.
واختلفوا في تقديمها على الحنث على قولين:
أحدهما: يجوز وبه قال أربعة عشر من الصحابة وجماعات من التابعين ومالك والشافعي والأوزاعي والثوري والجمهور، لكن قالوا يستحب كونها بعد الحنث.