والقول الثاني في أصل المسألة: أنه لا يجوز تقديمها عليه بكل حال، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأشهب المالكي. وهذا الحديث ورد بألفاظ:
أحدها:"فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير" وهذا ما في الكتاب.
ثانيها:"فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك" رواه البخاري.
ثالثها:"فكفّر عن يمينك ثم ائتِ الذي هو خير"، رواه أبو داود والنسائي. وهذه الرواية صريحة للجمهور القائلين بالجواز، أما رواية "الواو" فقد يستدل بها من يجوز التقديم تارة ومن يمنعه أخرى من حيث الاهتمام بذكره أولًا لكن يخدشه أن "الواو" لا تقتضي الترتيب والمعطوف والمعطوف عليه بها كالجملة الواحدة وليس بجيد، طريقه من يقول في مثل هذا إن "الفاء" تقتضي الترتيب والتعقيب فيقتضي ذلك أن يكون التكفير مستعقبًا لرواية الخير في الحنث فإذا استعقبه التكفير تأخر الحنث ضرورة، نبّه على ذلك الشيخ تقي الدين قال: وإنما قلنا إنها ليس بجيد لما بيناه من حكم الواو. فلا فرق بين قولنا:"فكفر، عن يمينك وائت الذي هو خير" وبين قولنا: "فافعل هذين". ولو قال كذلك لم تقتضِ ترتيبًا ولا تقديمًا وكذلك إذا أتى بالواو وهذه الطريقة التي أشرنا إليها ذكرها بعض الفقهاء في اشتراط الترتيب في الوضوء. وقال: إن الآية تقتضي تقديم غسل الوجه، بسبب الفاء وإذا وجب تقديم غسل الوجه وجب الترتيب في بقية الأعضاء اتفاقًا وهو ضعيف لما بينّاه.