الأول: ما قاله الصالحي في (مسلك الراغب لشرح دليل الطالب): (ويجوز تأخير القضاء مع اتساع الوقت إلى أن يبقى قدر ما يسعه، فإن حصل عذر فيما بقي جاز تأخيره بعد رمضان الثاني، فيقضيه بلا كفارة)، فكلامه رحمه الله يدل: على أن اعتبار العذر من عدمه هو: بأن يبقى قبل دخول رمضان الثاني مقدارُ ما عليه من القضاء، وهنا ينظر: إن ترك القضاء لعذر فلا شيء عليه، وإن تركه لغير عذر حرم وعليه الكفارة.
الثاني: ما قاله شيخ الإسلام في شرح العمدة: (ليس له أن يؤخره - أي: القضاء - إلى رمضان آخر إلا لعذر، مثل أن يمتد به المرض أو السفر إلى أن يدخل الرمضان الثاني. فإن أخره إليه لعذر، صام الرمضان الذي أدركه، وقضى الرمضان الذي فاته بعده، ولا شيء عليه ... وإن أخره إلى الثاني لغير عذر أثم، وعليه أن يصوم الذي أدركه، ثم يقضي الأول، ويطعم لكل يوم مسكيناً)، فيفهم من كلامه رحمه الله: أن العذر الذي إذا وجد لا تلزمه الكفارة هو الذي يستغرق ما بين الرمضانين. والثمرة على القولين: أنه لو أخر القضاء لغير عذر حتى لم يبق على رمضان الثاني إلا مقدار ما عليه، فحصل له عذر يمنعه من الصيام - كمرض - حتى دخل رمضان الثاني، فعليه القضاء، ولا كفارة على كلام (الصالحي)، وأما على كلام (شيخ الإسلام) فعليه القضاء والكفارة؛ لأنه لم يمتد به العذر حتى الرمضان الثاني؛ بل تخلله كونه فيه صحيحاً ولم يصم. وكلام شيخ الإسلام أقرب لقول الأصحاب المتأخرين، ويؤيده ما قاله البهوتي في شرح المنتهى: ((و) إن أخر القضاء إلى آخَر (لعذر) من سفر أو مرض (قضى فقط) أي: بلا إطعام؛ لأنه غير مفرط. وإن أخر البعض لعذر، والبعض لغيره، فلكل حكمه). وهنا فائدة ذكرها شيخ الإسلام - رحمه الله - في شرح العمدة حيث قال: (فإن قيل: قضاء رمضان موسع، والعبادة الموسعة إذا مات في أثناء وقتها لم يكن آثما بدليل الصلاة، ومن لا إثم عليه فلا فدية عليه؟ قلنا: نعم، إذا لم يغلب على ظنه الموت قبل القضاء لم يأثم، وإن غلب على ظنه الموتُ قبله أثِمَ، كما قلنا في الصلاة، لكن الفدية تجب بدون الإثم، كما تجب على الشيخ الكبير والمريض الميؤوس منه؛ لأنه بدل عن الصوم الواجب). (تتمة) لا يصح في المذهب التطوع قبل قضاء ما عليه من رمضان كصيام يوم عرفة وستة من شوال، خلافاً لما ذهب إليه الشيخ ابن عثيمين، فأجاز التطوع - غير الست من شوال- قبل أن يقضي ما عليه من رمضان. أما فعل الحج أو العمرة نفلاً لمن لم يأت بالفرض، فإن نفله ينقلب فرضاً مباشرة. وأما الصلاة، فلا يصح التطوع قبل قضاء الفوائت؛ لوجوب الفورية في قضائها مع بعض الاستثناءات. وأما الزكاة، فلم أجد نصاً في حكم التصدق قبل أداء الزكاة، لكني انتهيت إلى: أنه يحرم، إلا أن الصدقة لا توصف بالصحة أو عدمها.