للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصل (في أركان وواجبات الحج والعمرة)

أركانُ الحَجِ أربعةٌ: إحرامٌ (١)، ووقوفٌ (٢)، وَطوافٌ (٣)، وسعيٌ (٤).

وواجباتُه سَبْعَةٌ: إحرامُ مارٍّ على مِيقَاتِ مِنْهُ، ووقوفٌ إلى اللَّيْلِ إن وقف نَهَاراً، ومبيتٌ بِمُزْدَلِفَة إلى بعد نصفِهِ إن وافاها قبلَه (٥)، وبمنى لياليَها (٦)،


(١) وهو نية الدخول في النسك.
(٢) أي: بعرفة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة»، رواه أبو داود والترمذي والنسائي.
(٣) أي: طواف الزيارة، لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج، ٢٩].
(٤) أي: السعي بين الصفا والمروة، فهو ركن على المذهب، ومشى الموفق في العمدة على أنه واجب لا ركن.
(٥) المبيت بمزدلفة واجب على الرجال والنساء، لكن يجوز الدفع بعد نصف الليل. فإن أتى مزدلفة قبل نصف الليل لزمه المبيت بها إلى بعد نصف الليل، وإن أتاها بعد نصف الليل كفاه المرور، وإن أتاها بعد الفجر فعليه دم.
(٦) أي: ليالي التشريق، وليس في المذهب قول مقطوع به في القدر الواجب منه، وجملة ما يقال هنا أن لمتأخري الأصحاب في تقرير ذلك ثلاثة مسالك:
المسلك الأول: ما مال إليه الشيخ مرعي، حيث جعل الشيخ مرعي الواجب معظم الليل «اتجاهًا»، وهو ما ذكره ابن تيمية في شرح العمدة حيث قال: «المبيت بمنى لما كان واجبًا لم يجز أن يبيت بها لحظة من آخر الليل حتى يبيت بها معظم الليل».

المسلك الثاني: وهو للشيخ منصور البهوتي في كشاف القناع، حيث قرر أن من ترك مبيت أكثر الليل فلا شيء عليه، وعن ذلك قال: (وعلم منه أنه لو ترك دون ليلة فلا شيء عليه، وظاهره: ولو أكثرها).
المسلك الثالث: وهو أيضًا للشيخ منصور البهوتي، ولكنه متأخرٌ عن الأول، حيث مال في شرح المنتهى - وهو متأخر عن الكشاف - إلى جعل حكمِه حكمَ المبيت بمزدلفة، فقال رحمه الله: (ولعل المراد: لا يجب استيعاب الليلة بالمبيت، بل كمزدلفة على ما سبق).
وعلى هذا المسلك الثالث: ...
فمن أتى منى قبل منتصف الليل وجب عليه البقاء إلى منتصف الليل، ومن أتاها بعده كفاه المرور بها، ومن أتاها بعد الفجر فعليه دم. ومن انصرف قبل منتصف الليل ثم عاد قبل الفجر فليس عليه دم، أما من خرج ولم يعد إلا بعد الفجر فعليه دم، كما نصوا عليه في مسألة المبيت بمزدلفة.
قلت: الذي انتهيت إليه هو ترجيح المسلك الأول، فالقدر الواجب من المبيت في منى هو: (معظم الليل) أخذًا من قولهم في الأيمان: لو حلف أن يبيت ليلة عند فلان، قالوا: يبر بمعظم الليل، وإلا حنث.
واعتُرِض على هذا التقرير بأمرين:
١. أن ما ذكروه في الأيمان بحثٌ في الحقيقة اللغوية لمفهوم الليل، والبحث هنا في المفهوم الشرعي للبيات الواجب، فالقياس على المبيت بمزدلفة أقرب من الأخذ بعموم ما هنالك.
٢. أنه يشكل عليه جانب النفي فيما إذا حلف أن لا يبيت.
ويجاب عن الاعتراض الأول: بأنه يصح أن يقال: البحث هنا في الحقيقة الشرعية، لكنها غير موجودة، فيصار للحقيقة اللغوية.
وأما الاعتراض الثاني: فيقال: بأنه لا دخل له في مسألتنا، وأيضاً لو حلف لا يبيت عند فلان، فإنه يحنث بمعظم الليل لا دونه، ما لم تكن له نية سوى ذلك.
فالصحيح: أن القدر الذي يجب أن يبيته الحاج في منى: معظم الليل، ولو اقتصر على بعضها الذي هو دون معظم الليل فهل عليه دم؟ على ما قررته من كون الواجب معظم الليل فعليه دم، وعلى ما قرره الشيخ منصور فالأمر واضح، فليحرر، والله أعلم. (بحث وتحرير)
(تتمة) لو لم يبت بمنى ليلة أو أكثر فعليه دم واحد فقط، وكذلك إن ترك في الرمي جمرة واحدة أو رمي يوم كامل، أو كل الرمي فعليه دم واحد. (تحرير)

<<  <   >  >>