للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَإِذا رأى البَيْتَ رفع يَدَيْهِ وَقَالَ مَا ورد (١)، ثمَّ طَاف مضطبعاً للْعُمْرَة الْمُعْتَمِرُ، وللقدومِ غَيرُه (٢)، ويستلمُ الحجرَ الأسودَ (٣)

ويقبلُه، فإن شقّ أشار


(١) أي: إذا رأى الكعبة رفع يديه كما في الدعاء، وقال: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، حَيِّنَا ربَنَا بالسلام. اللهم زد هذا البيت تعظيماً ... » إلى آخره.
(٢) وهو المفرد والقارن، والاضطباع: جعل وسط الرداء تحت العاتق الأيمن وطرفيه على العاتق الأيسر. والاضطباع في كل الأشواط مستحب؛ لكنه لا يسن لمن يحمل شخصاً معذوراً.
(٣) الاستلام هنا: أن يمسحه بيده اليمنى، كما في الإقناع وغيره.

(تتمة) يشترط أن يبدأ من الحجر الأسود. قالوا: ويجب أن يحاذيه - أي: الحجر الأسود - أو بعضه بكل بدنه، والمحاذاة في اللغة: المقابلة، وفسَّر الحنابلةُ المحاذاةَ هنا بالاستقبال بكل البدن، قال في المنتهى: (فيحاذيه أو بعضه بكل بدنه)، قال البهوتي: (ويستقبله بوجهه ... لأن ما لزم استقباله لزم بجميع البدن كالقبلة)، وأصله في المغني وغيره. ويقولون: (أنه إذا رأى ضلعي البيت فقد استقبل الحجر)، نقله النجدي عن والد صاحب المنتهى من حواشي المحرر، ويحتاج لتأمل؛ لأنه قد يرى ضلعي البيت وهو غير مستقبل له بكل بدنه، فالله أعلم. وذكر شيخ الإسلام عن القاضي طريقة لمحاذاة كل البدن للحجر، فقال: (والسنة أن يبتدئ بالحجر في أول الطواف، وأن يستقبل الركن في أول الطواف سواء استلمه، وقبَّله، أو لم يفعل وهل ذلك واجب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر: «إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله وهلل وكبر»، رواه أحمد، قال القاضي: من شرط الطواف الاستقبال، فلا يجوز أن يبتدئ الطواف غير مستقبل للركن ... ، قال القاضي وأصحابه وكثير من أصحابنا: وكمال الطواف: أن يبتدئ بالحجر فيحاذي بجميع بدنه جميع الحجر؛ وهو أن يأتي عن يمين الحجر من ناحية الركن اليماني، ثم يجتاز بجميعه على يمين نفسه؛ لأن كل ما قابلك كان يمينُك حذاءَ يساره، ويسارُك حذاء يمينه؛ لأن السنة أن يبتدئ بالطواف بالحجر الأسود، ولا يطوف جميعه بالحجر الأسود إلا بذلك، فإن حاذى بعض الحجر بكل بدنه، وأمكن هذا لكونه دقيقاً: أجزأه؛ لأنه قد ابتدأ بطواف جميعه بالحجر).
والمراد من كلام القاضي: أن يأتي الطائف قَبْلَ الحجر من يمين الحجر- مستقبلاً له -، ويمر عليه كل بدنه حتى يسار الحجر. (بحث وتحرير)
وهل يجب استقبال الحجر بالوجه؟ المذهب: لا، بل هو مستحب، قال في المنتهى - ونحوه في الإقناع -: (واستقبله بوجهه، وقال: بسم الله .. الخ)، ولم يبين حكمه، وقال في الفروع: (وفي استقباله بوجهه وجهان)، قال المرداوي في تصحيحه: (أحدهما: يستحب، وهو الصحيح، قال الشيخ تقي الدين: هو السنة، وهو ظاهر كلام الخرقي وظاهر ما قطع به الشيخ في المغني والشرح .. والثاني: لا يستحب). (بحث وتحرير)
وهل يجب أن يستقبله ببدنه في كل شوط؟
في الإقناع والمنتهى: (كلما حاذى الحجر الأسود والركن استلمهما، وإن شق أشار إليهما، ويقول كلما حاذى الحجر الأسود: الله أكبر فقط)، والمحاذاة هي الاستقبال كما تقدم، فإن استلم الحجر أو قبله استقبله في الغالب كما أشار إليه شيخ الإسلام في شرح العمدة، لكن إن أشار إليه فهل يستحب أن يستقبله أثناء الإشارة أو يجب؟ لم أر كلاما صريحا في الوجوب إلا في ابتداء الطواف، فتبقى السنية فيما عداه، ومما يؤيد عدم وجوب استقبال الحجر في غير الشوط الأول: ما قاله في المغني: (ويكبر كلما أتى الحجر، أو حاذاه) فالظاهر أن الإتيان هنا: أن يمر عليه بدون استقبال، والمحاذاة هي استقباله. فليحرر. (بحث يحتاج لتحرير)
وهل يستحب أن يستلم الحجر الأسود في آخر شوط؟
لم أقف على صريح في هذا إلا ما ذكره شيخ الإسلام في شرحه للعمدة: (والكمال أن يحاذي في الأخير بكل بدنه جميع الحجر) وقال أيضا: (وجملة ذلك: أن يختم الطواف باستلام الحجر، ثم يستلمه بعد ركعتي الطواف) وهذا صريح في مشروعية استلامه بعد آخر شوط، لكن هل ينتهي الطائف من الشوط قبل الحجر أم معه؟ الظاهر: قبله فلا يشرع استلامه؛ لأنه قد انتهى من طوافه إلا أنهم قالوا: إذا فرغ من ركعتي الطواف وأراد السعي، سن له عوده إلى الحجر فيستلمه، والله أعلم. (بحث وتحرير)

<<  <   >  >>