للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسرها بـ "إنك إنْ يُنسأ في أجلك"، أو: " [إنْ] (١) تخلَّف بمَكّة".

وإنما أراد أن يخرج الكلام على الخبر بالتأويل؛ لأنّ "لن" لنفي المستقبل محققًا، والمرادُ هنا احتماله وتوقّعه. (٢)

قال أبو [عمر] (٣): يحتمل أنّ سعدًا لما سَمع قَوْل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وَجْه اللَّه"، و"تنفق" فعل مُستقبل أيقن أنّه لا يمُوت من مَرضه ذلك، أو ظنّ ذلك؛ فاستفهمه: "هل يبقى بعد أصحابه؟ "، فأجابه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بنوع من قوله: "إنّك لن تُنفق نفقة تبتغي بها وَجْه اللَّه"، وهو قوله: "إنك لن تخلف فتعمل عَملًا صالحًا إلا ازدَدت به، ولعلّك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويُضر بك آخرون"، وهذا كُلّه ليس تصريحًا، ولكنّه قد وقَع كُلّ ما قاله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (٤).

قوله: "فتعمل": معطوفٌ على "تخلَّف". ويجوز أن يكون منصوبًا بإضمار "أنْ" في جَواب النفي، لأنّ "الفاء" فيها معنى السّببية، فيكون التقدير: "إنّك إن تخلف يكن ذلك التخلف سببًا لفعل خَير"، وهي "زيادة الدّرجَات"، ويحسُن ذلك مع تقدير الشّرط. ويجوز أن يكون في الكلام شرط مُقدّر؛ لأنّه لما سأل، فقال: "أَأُخلَّف عن أصحابي فتبطل هجرتي؟ "، قال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنك إن تخلف بسبب المرض عنهم"، ويكون علمًا من أعْلام النبوة، ثُم حذف ["إن تخلف"] (٥)، وعطف عليه: "فتعمل عملًا تبتغي به وَجْه اللَّه إلّا ازددت به دَرَجة". ويدلّ على هذا الحذف قوله بعد هذا: "ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويُضر بك آخرون".

وقد وَرَد في الكتاب العزيز حذْف حرف الشرط وجَوابه في قوله تعالى: {إِنَّ


(١) غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "من".
(٢) انظر إرشاد الساري (٦/ ٢٣٥).
(٣) بالنسخ: "عمرو".
(٤) انظر: التمهيد لابن عبد البر (٨/ ٣٨٧).
(٥) بالنسخ: "وإن تخلف".

<<  <  ج: ص:  >  >>