للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومعلوم أن إقرار النفس بالخالق ممكن من غير سبب منفصل من خارجها، وتكون الذات كافية في ذلك، فإذا كان المقتضي لذلك قائمًا في النفس وقُدّر عدم المعارض، فإن المقتضى السالم يوجب مقتضاه، فعلم أن الفطرة السليمة إذا لم يحصل لها ما يفسدها كانت مقرة بالخالق عابدة له (١).

وبما سبق يظهر بطلان ما ذهب إليه ابن حجر - غفر الله له - من كون المعرفة كسبية نظرية لا فطرية ضرورية.

وأما قوله - عفا الله عنه - بأن المعرفة والطريق المؤدي إليها أول الواجبات العينية، فهو قول باطل، والرد عليه من طريقين:

أحدهما: النقض، بأن يقال:

أولًا: أن قوله بذلك مبني على قوله بأن المعرفة كسبية لا فطرية ضرورية، وهو باطل - كما سبق - فكذلك ما بني عليه.

ثانيًا: أن ابن حجر يرى - كما سيأتي (٢) - جواز التقليد في العقائد - ومنها المعرفة - وصحة إيمان المقلد، والقول بذلك يقتضي عدم وجوب النظر على كل أحد؛ إذ يلزم من القول بوجوب النظر على كل مكلف تأثيم من قلد ولم ينظر، وذلك يناقض القول بجواز التقليد في العقائد.

ولهذا يقول أبو جعفر السمناني (٣) - وهو من رؤوس الأشاعرة -: "إيجاب الأشعري النظر لحصول المعرفة بقية بقيت عنده من الاعتزال، وتفرع عليها أن الواجب على كل أحد معرفة الله بالأدلة الدالة عليه، وأنه لا يُكتفى بالتقليد في ذلك" (٤).


(١) انظر: درء التعارض (٨/ ٤٦١)، وانظر: مزيدًا من الأدلة العقلية على ذلك في درء التعارض (٨/ ٤٥٦ - ٤٦٨)، وشفاء العليل (٢/ ٨٢٥ - ٨٣٦)، وشرح الطحاوية (١/ ٣٤ - ٣٥).
(٢) انظر: (ص ١٢٩).
(٣) هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد السمناني الحنفي، أبو جعفر، متكلم أشعري، من أصحاب أبي بكر الباقلاني، كان مقدم الأشعرية في وقته، توفي سنة ٤٤٤ هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (١٧/ ٦٥١)، الجواهر المضية (٢/ ٢١).
(٤) فتح الباري (١/ ٩٠) (١٣/ ٣٦١).

<<  <   >  >>