للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى هذا فالقول بجواز التقليد في العقائد يناقض القول بوجوب النظر على أحد.

ثالثًا: أن ابن حجر يرى - كما سيأتي (١) - أن التحسين والتقبيح شرعيان لا عقليان، وهذا يناقض قوله إن أول واجب على المكلف المعرفة أو النظر، وتناقض ابن حجر في ذلك ليس مختصًا به بل شأنه في ذلك شأن الأشاعرة الذين يوافقهم وينهج نهجهم.

يقول شيخ الإسلام في بيان ذلك: "ثم القول بأن أول الواجبات هو المعرفة أو النظر لا يمشي على قول من يقول لا واجب إلا بالشرع، كما هو قول الأشعرية وكثير من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، فإنه على هذا التقدير لا وجوب إلا بعد البلوغ على المشهور وعلى قول من يوجب الصلاة على ابن عشر سنين أو سبع، لا وجوب على من لم يبلغ ذلك، وإذا بلغ هذا السن فإنما يخاطبه الشرع بالشهادتين إن كان لم يتكلم بهما، وإن كان تكلم بهما خاطبه بالصلاة، وهذا هو المعنى الذي قصده من قال أول الواجبات الطهارة والصلاة، فإن هذا أول ما يؤمر به المسلمون إذا بلغوا أو إذا ميزوا" (٢).

وعليه فإن تناقض ابن حجر هنا فرع عن تناقض الأشاعرة أنفسهم الذين تابعوا المعتزلة في قولهم بوجوب النظر لحصول المعرفة وخالفوهم في طريق الوجوب فقالوا هو الشرع لا العقل مما أوقعهم في التناقض.

ثانيهما: المعارضة: بأن الأدلة متظافرة من الكتاب والسنة والإجماع على أن أول واجب على المكلف الشهادتان، لا المعرفة ولا النظر ولا القصد إليه.

فمن الكتاب: قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦].

وقوله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)} [الأنبياء: ٢٥].


(١) انظر: (ص ٦٠١).
(٢) درء التعارض (٨/ ١٢ - ١٣).

<<  <   >  >>