للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما ذهب إليه ابن حجر رحِمهُ الله من أن الفطرة هي التهيؤ للإسلام والقابلية للتوحيد هو بمعنى قول من قال من أهل العلم بأن الفطرة هي الخلقة.

والفرق بين القول بأن الفطرة هي الخلقة والقول بأن الفطرة هي الإسلام:

أن الفطرة على قول من يفسرها بالإسلام موجبة ومستلزمة ومقتضية للإسلام، وأما على قول من يفسرها بالخلقة فإنها ليست كذلك وإنما هي مجرد قابلة له ومتمكنة منه.

فالمولود - على قول من يقول بأن الفطرة هي الخلقة - يولد على السلامة بحيث يمكن أن يوحد أو يشرك باختياره دون أن يكون في خلقته ما يقتضي ترجيح التوحيد على الشرك، بل تكون نفسه قابلة لأي منهما على السواء، ثم يعتقد الكفر أو الإيمان بعد البلوغ إذا ميَّز.

وترجيح ابن حجر رحِمهُ الله لهذا القول يوافقه عليه جماعة من أهل العلم (١)، ويمكن الجواب عنه من طريقين:

أحدهما: النقض؛ وذلك بأن يقال:

أولًا: أن مجرد التمكن والتهيؤ - في أصل الجِبِلّة - لا يسمى فطرة، ولا دينًا، ولا إسلامًا، ولا ملة، بل الفطرة قدر زائد على مجرد التمكن والتهيؤ (٢) كما سبق-.

ثانيًا: أن مجرد التمكن والتهيؤ لا يتغير بفعل الأبوين، بل البالغ الكافر عنده من التمكن والتهيؤ لقبول الإسلام ما ليس عند الصغير.

ثالثًا: أن النصوص وردت بتشبيه تغيير الفطرة بجدع البهيمة الجمعاء، ومعلوم أن الأبوين لم يغيروا قبول المولود، ولو تغير القبول وزال التهيؤ لم


(١) ممن رجح هذا القول وانتصر له الطحاوي في مشكل الآثار (٤/ ١٧ - ١٩)، وابن عبد البر في التمهيد، والقرطبي في تفسيره (١٤/ ٢٩)، والنووي في شرح صحيح مسلم (١٦/ ٢٠٨).
(٢) انظر: درء التعارض (٨/ ٣٨٥).

<<  <   >  >>