للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد" (١).

وقد قرر أهل السنة والجماعة ذلك، وذكروه في عقائدهم.

يقول الإمام الطحاوي (٢) رحمه الله: "والأمن والإياس ينقلان عن ملة الإسلام، وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة" (٣).

ومثلوا حال العبد معهما بحال الطائر مع جناحيه، فقالوا: "الخوف والرجاء كجناحي الطائر إذا استويا، استوى الطير وتم طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا، صار الطائر في حد الموت" (٤).

ومن مشهور قولهم في الرد على من ضل في هذا الباب: "من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري (٥)، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد" (٦).

وقد اختلف أهل العلم -رحمهم الله- هل يغلب العبد جانب الرجاء أو جانب الخوف؟

فمنهم من قال: يغلب جانب الرجاء مطلقًا.


(١) أخرجه مسلم، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه (٤/ ٢١٠٩) برقم (٢٧٥٥) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - به.
(٢) هو أحمد بن سلامة بن سلمة بن عبد الملك الأزدي الطحاوي، أبو جعفر، الحنفي، أحد أئمة السلف، من مؤلفاته: العقيدة المشهورة، شرح معاني الآثار، شرح مشكل الآثار، توفي سنة ٣٢١ هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (١٥/ ٢٧)، شذرات الذهب (٢/ ٢٨٨).
(٣) العقيدة الطحاوية مع شرحها (٢/ ٤٥٦).
(٤) شرح العقيدة الطحاوية (٢/ ٤٥٦ - ٤٥٧).
(٥) الحروري: نسبة إلى حروراء وهي قرية قريبة من الكوفة في العراق، ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج: حروري؛ لأن أول فرقة منهم خرجوا على علي - رضي الله عنه - عند هذه القرية، فاشتهروا بالنسبة إليها، وهم فرق كثيرة.
انظر: التنبيه والرد للملطي (ص ١٨٨)، فتح الباري (١/ ٤٢٢).
(٦) لم أجدها مسندة مع شهرتها لأحد من السلف، وقد نسبها الغزالي في الإحياء (٤/ ١٧٤) إلى مكحول الدمشقي، وذكرها شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (١٥/ ٢١)، وابن القيم في بدائع الفوائد (٣/ ١١)، وابن رجب في التخويف من النار (ص ٣٠) وابن أبي العز في شرح الطحاوية (٢/ ٤٥٨) غير منسوبة لأحد.

<<  <   >  >>