للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول العلامة ابن عبد الهادي (١) -رَحِمَهُ اللهُ-: "فأما استدلاله بقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} الآية فالكلام فيها في مقامين:

أحدهما: عدم دلالتها على مطلوبه.

والثاني: بيان دلالتها على نقيضه.

وإنما يتبين الأمران بفهم الآية، وما أريد بها وسيقت له، وما فهمه منها أعلم الأمة بالقرآن ومعانيه، وهم سلف الأمة ومن سلك سبيلهم، ولم يفهم منها أحد من السلف والخلف إلا المجيء إليه في حياته ليستغفر لهم ... وهذه هي عادة الصحابة معه -صلى الله عليه وسلم- ... فلما استأثر الله بنبيه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن أحد منهم قط يأتي إلى قبره ويقول: يا رسول الله فعلت كذا وكذا فاستغفر لي، ومن نقل هذا عن أحد منهم فقد جاهر بالكذب والبهت، أفترى عطل الصحابة والتابعون وهم خير القرون على الإطلاق هذا الواجب؟ ... وكيف أغفل هذا الأمر أئمة الإسلام وهداة الأنام ... فلم يدعوا إليه، ولم يحضّوا عليه، ولم يرشدوا إليه، ولم يفعله أحد منهم البتة ...

وهذا يبين أن هذا التأويل الذي تأوله المعترض تأويل باطل قطعًا ولو كان حقًّا لسبقونا إليه علمًا وعملًا وإرشادًا ونصيحةً، ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو في سنة لم يكن على عهد السلف.

وأما دلالة الآية على خلاف تأويله فهو أنه سبحانه صدرها بقوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} [النساء: ٦٤]، وهذا يدل على أن مجيئهم إليه ليستغفر لهم إذ ظلموا أنفسهم طاعة له ... ولم يقل مسلم إن على من ظلم نفسه بعد موته أن يذهب إلى قبره ويسأله أن يستغفر له، ولو كان هذا طاعة له لكان خير القرون قد عصوا هذه الطاعة وعطّلوها وَوُفِّق


(١) هو محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة، أبو عبد الله، سلفي المعتقد، من أعلام المحدثين، وأحد تلامذة شيخ الإسلام ابن تيمية، من مؤلفاته: الصارم المنكي في الرد على السبكي، المحرر في الأحكام، توفي سنة ٧٤٤ هـ.
انظر: الدرر الكامنة (٣/ ٣٣١)، شذرات الذهب (٦/ ١٤١).

<<  <   >  >>