للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أخرج القصة على هذا الوجه البيهقي أيضًا من طريق أبي سعيد بن أبي عمرو، عن أبي عبد الله الصفار، عن ابن أبي الدنيا، عن إسحاق بن أبي حاتم المدائني، عن ابن أبي فديك، عن رباح بن بشير، عن يزيد بن أبي سعيد قال: "قدمت على عمر بن عبد العزيز إذ كان خليفة بالشام، فلما ودعته قال: إن لي إليك حاجة إذا أتيت المدينة سترى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فأقرئه مني السلام" (١).

قال العلامة ابن عبد الهادي -رَحِمَهُ اللهُ-: "هذا أجود ما روي عن عمر بن عبد العزيز في هذا الباب مع أن في ثبوته نظرًا، فإن رباح بن بشير شيخ مجهول لم يرو عنه غير ابن أبي فديك.

ولو فرض أنه شيخ معروف ثقة، فليس في روايته ذكر إبراد البريد لمجرد الزيارة، وإنما فيها إرسال السلام مع بعض من قدم على عمر من أهل المدينة ... ويزيد بن أبي سعيد قصد الرجوع إلى بلده المدينة، وانضم إلى ذلك قصد آخر، وليس هذا محل النزاع، وإنما الخلاف في شد الرحال وإعمال المطي إلى مجرد زيارة القبور" (٢).

ب- "أنه لو ثبت عن عمر بن العزيز -رَحِمَهُ اللهُ- أنه كان يبرد البريد من الشام قاصدًا إلى المدينة لمجرد الزيارة والسلام، كان في فعله ذلك من جملة المجتهدين، ومن المعلوم أنه -رضي الله عنه- أحد الخلفاء الراشدين ومن كبار الأئمة المجتهدين؛ فإذا قال قولًا باجتهاده وفعل فعلًا برأيه فإن قام دليله وظهرت حجته تعمين المصير إليه والاعتماد عليه، وإلا فهو ممن يحتج لقوله، ويستدل لفعله" (٣).

وبعد هذا العرض والمناقشة يتبين أن القول الصحيح هو تحريم شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وخطأ ابن حجر -غفر الله له- في قوله باستحباب ذلك وضعف أدلته التي ساقها للاستدلال له.

وأما ما زعمه من أن استحباب شد الرحال لا يختص بقبره -صلى الله عليه وسلم- بل


(١) شعب الإيمان، إتيان المدينة وزيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- (٨/ ١٠٠ - ١٠١) رقم (٣٨٧٠).
(٢) الصارم المنكي (ص ٢٤٥).
(٣) المصدر السابق (ص ٢٤٦).

<<  <   >  >>