للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعد مناقشة أدلة ابن حجر التي ساقها للاستدلال على قوله باستحباب التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بطلب الدعاء منه بعد وفاته أو التوسل بذاته وجاهه وبيان ضعفها وعدم دلالتها على قوله يظهر بطلان زعمه بكون ذلك مما تواترت به الأخبار وقام عليه الإجماع.

فإن الأخبار على خلافه، وكل ما استدل به فهو مطعون في ثبوته أو في دلالته، والمستدل عليه أن يبين صحة دليله ودلالته على قوله، وكلاهما غير متحقق فيما ساقه من الأدلة.

وأما الإجماع فإنه على نقيضه، فلم يعرف عن السلف الأوائل من الصحابة والتابعين وأتباعهم طلب الدعاء منه -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته أو التوسل بذاته وجاهه، ودعوى إجماعهم على خلاف ذلك تحتاج إلى دليل، ولا دليل يدل على ذلك (١).

وقوله باستحباب التوسل بالأنبياء والأولياء وكونه لا يقتصر على النبي -صلى الله عليه وسلم- وحده، القول فيه كالقول في التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.

وأما استدلاله بقياس التوسل بالأنبياء والأولياء على التوسل بالأعمال، وتوسل عمر بالعباس -رضي الله عنهما- فالجواب عنهما بأن يقال:

أما قياس التوسل بالأنبياء والأولياء على التوسل بالأعمال لكون التوسل بهم توسل بذوات والتوسل بها توسل بأعراض، والتوسل بالذوات أولى من التوسل بالأعراض فمردود من وجهين:

١ - أنه لا ملازمة بين جواز التوسل بالأعراض وبين جواز التوسل بالذوات فالقياس بينهما قياس مع الفارق (٢).

٢ - أن التوسل بالأعمال هو تقرب إلى الله تعالى بما شرعه لعباده، وهو معقول لتزكيتها لنفس العامل وجعله أهلًا لقبول دعائه واستجابته، وأما ذوات غيره فلا تأثير لها في تزكيته البتة مهما كان فضلها فإن عملها مزكٍّ لها لا لغيرها (٣).


(١) انظر: صيانة الإنسان (ص ٢٢٧).
(٢) انظر: المصدر السابق (ص ٢٧٧).
(٣) انظر: المصدر السابق (ص ٢٧٨، ١٥٥)، والتوسل للألباني (ص ١٥١).

<<  <   >  >>