للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أمر الإنسان ونهيه بما لا يقدر عليه حال الأمر والنّهي لاشتغاله بضدّه، إذا أمكن أن يترك ذلك الضّدّ ويفعل الضّدّ المأمور به.

وإنّما النّزاع هل يسمّى هذا تكليف ما لا يطاق لكونه تكليفًا بما اتّفقت فيه القدرة المقارنة للفعل.

فمن المثبتين للقدر من يدخل هذا في تكليف ما لا يطاق ...

ومنهم من يقول هذا لا يدخل فيما لا يطاق، وهذا هو الأشبه بما في الكتاب والسّنّة وكلام السّلف، فإنّه لا يقال للمستطيع المأمور بالحجّ إذا لم يحجّ إنّه كلّف بما لا يطيق، ولا يقال لمن أمر بالطّهارة والصّلاة فترك ذلك كسلًا إنّه كلّف ما لا يطيق" (١).

وعليه فما قرّره ابن حجر - عفا الله عنه - من القول بجواز تكليف الله تعالى العباد بما شاء من الأفعال قول مُجمل.

وأمّا قوله بأنّ الأمّة أجمعت على التكليف بالمحال كغيره، ومنه تكليف أبي جهل بالإيمان مع علم الله تعالى بعدم إيمانه، فهو متعقّب بما يلي:

١ - أنّ الفعل الممكن في نفسه لا يقال إنّه مُحال لتعلّق العلم بعدمه، وإلا لزم هذا بعينه فيما علم الله أنّه لا يفعله وهو مقدور له، فإنه لا يقع البتّة، مع كونه مقدورًا، كما قال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣)} [السجدة: ١٣]، فإيمان كلّ النّاس أخبر الله أنّه ممكن له مقدور، مع علمه بأنّه لا يقع منهم كلّهم وإنّما من بعضهم (٢).

٢ - أنّ تكليف أبي جهل بالإيمان من قبيل التّكليف بالممتنع لغيره لا الممتنع لذاته؛ إذ الممتنع لذاته ليس شيئًا حتى يفرض فيه بخلاف الممتنع لغيره فإنّه ممكن ولكنّه امتنع لعدم تعلّق الإرادة بإحداثه وعلم الله بأنّه لا يفعله فلا يصحّ إطلاق المستحيل عليه (٣).


(١) منهاج السنة (٣/ ١٠٤ - ١٠٥).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٢٩٢، ٥٠٠).
(٣) انظر: المصدر السابق (٨/ ٢٩٢، ٥٠٠).

<<  <   >  >>