للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقسوة القلب تُورِثُ الفسقَ، فإن اشتدَّت أورثَتِ البدعةَ والظُلْمَةَ واتِّباعَ الهوى، فإن اشتدَّت أورثتِ الكفرَ والنِّفاق، وكثيرًا ما تُورِثُ هذا وهذا، وبالله التوفيق.

وسَمِع قارئًا يقرأ: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ: ٥٤]، فقال: لمَّا آثروا الشهوات حِيلَ بينهم وبينها أشدَّ ما كانوا شهوةً لها، ولو آثروا الطاعاتِ لانقادتْ إليهم الشهوات انقيادًا أكملَ ما كانت وأتمَّه وأطيبَهُ، بلا تنغيصٍ ولا تكديرٍ ولا مُزاحمٍ، فلو أعرضوا عنها لاشتاقت إليهم أعظمَ من شوقِهم إليها، ولكن آثرُوها فهجرَتْهم أحرصَ ما كانوا على الوصال.

إذا اشتاقتِ الخيلُ المناهِلَ أعرضَتْ ... عن الماء فاشتاقتْ إليها المناهِلُ (١)

فخلقَت الشهوةُ في العبد آلةً تَسُوقه، وحاديًا يحدوه إلى محلِّ الشهوات كلِّها، وهي الدارُ التي فيها ما تشتهيه الأنفسُ وتلذُّ الأعينُ، وقيل لأربابها: لا تَقِفُوا عند هذه الشهوات الخسيسة الفانية، التي هي خيالُ طَيْفٍ أو سحابةُ صَيْفٍ؛ فإنَّ أمامَكم من الشَّهوات ما لا عينٌ رأت ولا أذُنٌ سمعت ولا خطَرَ على قلب بشر، فنظر أصحابُ البصائر الحادَّة إلى تلك الشهوات من وراء سُتورِ الإيمان بالغيب فقالوا: نحن المشَمِّرُون، فقال لهم الدليلُ: قولوا: إن شاء الله وسِيْروا (٢)، سبَقَ


(١) البيت لأبي العلاء المعري من لاميته المشهورة في "سقط الزند" (ص ١٩٥).
(٢) نظر المؤلف إلى حديث أسامة بن زيد الذي أخرجه ابن ماجه (٤٣٣٢) والبزار (٢٥٩١) وغيرهما، وصححه ابن حبان (٧٣٨١)، وفي إسناده سليمان بن موسى متكلَّم فيه، والضحاك المعافري تفرد بالرواية عنه محمد بن مهاجر. وضعَّف الحديث المنذري في "الترغيب والترهيب" (٤/ ٢٨٤) والألباني في "الضعيفة" (٣٣٥٨).