للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا كلُّه إذا نُظِر إلى الأسباب والحِكَم، فإذا أضربتَ عنها صفحًا ونظرتَ إلى المُسبِّبِ الأولِ، وصدورِ الأشياء عنه، وإيجابِ مشيئته وإرادته التامة لها= فهناك يُطوى التقسيمُ والتفصيلُ، ويصيرُ الأمرُّ كلُّه من الله تعالى، كما أنَّه كلَّه لله، فمنه ابتداءُ الخَلقِ، وإليه تُرجعُ الأمورُ.

وسمع قارئًا يقرأ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: ٣٥]، فقال: جمعت هذه الآية منازلَ الدين ومقاماتِ الإسلامِ كلَّها بأوجز عبارة وأعذب لفظٍ، فإنه لابُدَّ للعبد من أمرٍ يمتثِلُهُ، ومرادٍ محبوبٍ يتألَّهُه ويعبُدُه، وعدوٍّ يُحاربُهُ.

وإن شئتَ قلت: لا بُدَّ لكلِّ نفسٍ من حركةِ حُبٍّ، وحركةِ بُغضٍ، ينشأ عنهما فعلٌ وتركٌ، وموالاةٌ ومعاداة.

فأمَرَ سبحانه وتعالى أن تكون حركةُ القلب كلُّها له، وهي ابتغاء الوسيلة إليه، فإنَّ ابتغاء الوسيلةِ هو طلبُ القُربة (١) منه محَبَّةً وعبوديَّةً.

وأمر أن يكون ما يتبعها من الفعل والترك هو تقواهُ: بفعلِ ما أمرَ به، وترك ما حرَّمه.

وأمر أن يكون الجهادُ ــ الذي أصلُهُ الموالاةُ والمعاداةُ ــ في سبيله.


(١) غيَّرها محقق الطبعة الجديدة إلى "القرب". والقربة والقرب كلاهما مصدر الفعل "قَرُبَ".