للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه الثلاثة ترجع إلى الإيجاد: فإن الإعدادَ تخصيصٌ بصفةٍ وقبولٍ أوجَدَه في المحلِّ. والإمداد كذلك، فإنه إيجادٌ لمادة كماله، فرجع الكلُّ إلى نعمة الإيجاد. لكن لمَّا كانت تلك أصلًا وهما فرعان عليها، ونعمةُ الإيجاد عامَّةٌ، وأخصُّ منها نعمة الإعداد، وأخصُّ منها نعمة الإمدادِ= صارت ثلاثةً، وعُرِفتْ حكمتُه (١) ورحمتُهُ ومحبَّتُه وكراهتُهُ بالنعمتين الأخريَينِ، كما عُرفت ربوبيتُه العامَّةُ الشاملةُ بالنعمةِ الأولَى.

فنعمة الإيجاد لا تُنالُ بشيء من الكسب.

وأما نعمة الإعداد فأصلُها غيرُ مكتسب، وأما كمالُها فقد يحصل بالكسب، فإنَّ العبد إذا بذل قوَّتَه فيما سُئِلَه أعدَّه (٢) ذلك لقوَّةٍ أخرى، وكذلك إذا بذل علمَه أعدَّه بذلُهُ لقبولِ علمٍ آخر، وكذلك إذا بذل همَّتَه وعزيمته وقوَّةَ إرادتِه فيما يُحِبُّه الله أعدَّه ذلك لقبولِ هِمَّةٍ وعزيمةٍ وإرادةٍ أخرى، وهكذا كلُّ شيءٍ يبذلُهُ لله، فإنه يستعدُّ ببذلِه لقبولِ نظيرِه وما هو خيرٌ منه.

وأما نعمةُ الإمداد فنوعان: نوعٌ منها مَوهبيٌّ، ونوع كسبيٌّ. فالكسبيُّ: ما حصل عن بذله لِمَا سُئِلَ منه، وفعْلِه لما أريد منه. والموهبيُّ: ما كان من العطاء بغير سبب.


(١) في الطبعة الجديدة: "وعرف حلمه" خلاف ما في النسخة، ولا داعي للتغيير.
(٢) في النسخة: "أعدّ" دون ضمير المفعول.