للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يُطلِق الله تعالى لرسوله أن يحكُمَ بين عباده بما رآه هو، ولكن بما أراه الله، هذا وهو بالمحلِّ الذي أحلَّه الله إياه من النبوَّة والرسالة ورُجحان عقلِهِ على عقولِ العالمينَ كلِّهم ومعرفته على معارفهم، فكيف بمَن حكم بين عباد الله بما رآه هو أو مَن قلَّدَه وقدَّمه على رأي مَن هو فوقَه وأعلَمُ منه، فكيف بمن قدَّمَه على نصوصِ الوحي! فكيف [بمن] حكمَ على الله تعالى بما رآه أو رآه الرجالُ، وقدَّم ذلك على الواجبين (١): على كتاب الله وسنَّةِ رسوله!

وماذا يكون جوابُ هذا غدًا بين يدي الله إذا قيل: هل حكمتَ على الله وبين عباده بما أرى اللهُ ورسولُه أو بما رآه فلانٌ وفلانٌ؟ فوالله ليُسألَنَّ عن هذه المسألة، وليُطالَبَنَّ بالجواب، وسيَرِد ويعلم!

وما ظنُّ من توكَّلَ للخائنين، وخاصَمَ لهم، ودافع عنهم على اختلافِ طبقاتهم في الخيانة؟! فكلُّ من قرَّر باطلًا ونصرَه، ودافعَ عنه، وذَبَّ عن أهلِهِ في دقيقٍ وجليل= فهو خصيمٌ للخائنينَ، يُجادلُ عن الذين يختانون أنفسهم، سواءٌ كان ذلك في علمٍ أو ولايةٍ أو مالٍ، فمن أعان خائنًا كائنًا من كان فهو خصيمٌ للخائنينَ.

وإذا تأمَّلْتَ أحوالَ العالم رأيتَ أهلَه خائنينَ ووكلاءَ للخائنينَ، ومجادلِينَ عن الخائنين مخاصمينَ عنهم، ومن لم يكن فيهم كذلك فهو


(١) كذا في النسخة، ولعل الصواب: "الوحيين".