للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا غير واجبه، ولهذا جعلوا سماع صاحب العلم غير سماع صاحب الحال، وشرطوا في أحدهما غير ما شرطوه في الآخر، فشرطوا في سماع صاحب العلم معرفتَه بالأسماء والصفات، وشرطوا في سماع صاحب الحال الفناءَ عن أحوال البشرية، والتنقيَ من آثار الحظوظ بظهور أحكام الحقيقة، ومرادهم بهذا فناؤه عن نفسه، وشعوره بأوصافها وأحكامها، ثم فناؤه عن حظوظه وإرادتِه التي لها، وذلك إنما يكون عند توليةِ سلطانِ الحقيقة على سِرِّه، وظهور أحكامها التي تنسخ أحكامَ البشرية. والحقيقة التي يشيرون (١) إليها هي حقيقة التوحيد التي يفنَى صاحبها عن شهود السِّوى وعن إرادة السوى، فلا يبقى لقلبه شهودُ غير الله، [١٣٥ ب] ولا مرادٌ سواه. فهذا شرح كلامهم.

فيقال أولًا: لا يمكن الاستغناء عن أحوال البشرية ما دامت البشرية موجودةً، فإن الفقر إلى لوازم البشرية أمر ذاتي، وما بالذات لا يَستغني عنه البتّةَ، نعم قد يستغني بشهود الفقر المطلق إلى الغني بذاته الذي كل شيء مفتقر إليه، ويفنى بشهود فقره إليه عن فقره إلى ما سواه، فيكون في غناه فقيرًا إليه (٢)، وفي فقره غنيًّا به.

ويقال ثانيًا: إذا كان في هذه (٣) الحال التي قد فني بها عن أحوال البشرية، فكيف يصح له العبور في هذا السماع الذي كله أحوال البشرية


(١) ع: "يسيرون".
(٢) "إليه" ليست في ع.
(٣) ع: "هذا في".