للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى شهود الحقيقة وأحكامها؟ وهي إنما نالها من طريق هذا السماع، ودخل إليها من بابه، فلا يحصل له ذلك حتى يفنى عن الكائنات، ولا يبقى له شهودٌ (١) بالأحوال البشرية، ويفنَى عن الحظوظ البشرية كلها.

ويقال ثالثًا: لا يصل إلى هذا الحدّ إلا إذا ظهر سلطان التوحيد على قلبه، وهو المشار إليه بقوله: "بظهور أحكام الحقيقة"، ومعلوم قطعًا أن مع ظهور سلطان التوحيد لا يبقى له سعةٌ إلى الغناء وسماع الأبيات، فإن سلطان التوحيد قد قهر حواسَّه، وملك عليه مشاعره، وصار التصرف له وحده، فهو في هذه الحال في شُغلٍ عن كثير من أوراده بواردِه، فضلًا عن فراغه لصفاتِ ليلى وسُعدى ومَيّ، والعبور من هذا السماع إلى الأسماء والصفات. فما هذا التناقض واللعب؟ وهل يُبقيْ سلطانُ التوحيد وظهور أحكام الحقيقة في القلب والسمع موضعًا لسماع غير كلام المحبوب وذكر أسمائه وصفاته؟

[١٣٦ أ] ويقال رابعًا: لو كان هذا الذوق والاعتبار صحيحًا، لكان حصوله وتناوله (٢) من كلام المحبوب الذي لهذا القصد تكلّم الله به، وأنزله إلى عباده، وتعرَّف به إليهم، ودلَّهم به عليه، وهداهم به إليه. وأمَّا سماع الغناء فإنما وُضِعَ لأمر آخر (٣)، فلا تُلبِّسوا على أهله وعلى أهل


(١) ع: "شعور".
(٢) ع: "وتناله".
(٣) بعدها في ع: "وشأن آخر".