للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والله يشهد وكفى بالله شهيدًا أنَّ هذا حال كثير من السماعاتية لا كلهم، ويحتجُّون على حِلّ هذا السماع بحضور من حضره من الصادقين، الذين برَّأَهم الله من هؤلاء الأراذل براءةَ المسيح من عُبَّادِ الصليب، ولكن سماع الغناء اسم جنسٍ هذا فردٌ من أفراده، وهو سماعُ كثيرٍ ممن يتقرب بالسماع ويراه صلاحًا لقلبه، أو أكثرِهم في هذا الزمان.

ولا أعني بذلك أصغرِيهم ... ولكنِّي أريدُ به الذَّوينا (١)

فصل

وأما قول أبي عثمان المغربي: "قلوب أهل الحق حاضرة وأسماعهم مفتوحة"، فكلام صحيح، قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: ٣٧]، قالوا: معناه: حاضر القلب ليس بغائبه. وتأملْ قوله عز وجل: {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}، فجعله ذِكرى لمن جمع بين القلب [١٣٩ أ] الحيّ وأصغى بسمعه وحضر بقلبه، كما يفعله كثير من السماعاتية عند السماع الشيطاني، كيف تَنفتِحُ له صدورهم، وتُصغي إليهم أسماعُهم، وتَشهدُهُ قلوبهم، فإذا جاء السماع الإيماني فهم صُمٌّ بكمٌ عميٌ {فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: ٤٤]. والظاهر


(١) البيت للكميت بن زيد الأسدي في ديوانه (٢/ ١٠٩) و"خزانة الأدب" (١/ ١٣٩)، وبلا نسبة في "مدارج السالكين" (٣/ ١٣١).