للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وأما قول أبي عثمان المغربي: "من ادعى السماعَ ولم يسمع صوتَ الطيور (١) وصريرَ الباب وصفيرَ الرياح فهو مفترٍ مُدَّعٍ"، فظاهره مُنكَر مستبشَع، ومراده به أن اعتباره بالسماع لا يختص بنوع واحد، بل أي نوع سمعه من الأصوات المجردة أو الأصوات التي معها الحروف حرَّك ساكنَه وأزعجَ قاطِنَه، فإن في قلبه من الحب ولهيب الشوق ما لا يَقْصُر (٢) تحريكه على نوع واحد من المسموع، بل كل مسموع يُحرِّكه، بخلاف المفتون، فإنه يقتصر على السماع الذي يحبه أهل الفتنة (٣)، ولا يُحرِّكه سواه، ولا يتأثر بغيره، فهذا يدل على أنه مُدَّعٍ مفترٍ. فهذا مَحمل (٤) كلامه، وليس فيه بيانُ مرتبة المسموع، والفرق بين ممدوحه ومذمومه وحلاله وحرامه، وإنما فيه تحريكه باختلاف أنواعه لصاحب [١٤١ أ] المحبة واعتباره به. وقد تقدم إشباع الكلام في ذلك.

فصل

وأما كون ذلك الصوفي "كان يحضر مواضعَ السماع فإن استطابه فرشَ إزارَه وجلس، وقال: الصوفي مع قلبه، وإن لم يَستطِبْه مرَّ وأخذ


(١) في النسختين: "الطنبور". والمثبت هو الملائم للسياق.
(٢) ع: "يقتصر".
(٣) ع: "الفتن".
(٤) ع: "مجمل".