وهل نَعلَمُ في الكلامِ شَيئًا أعْظَمَ آيةٍ من كلامِ اللَّهِ؟
الجواب: لا نعلمُ، وهو الواقِعُ، ومع ذلك مَنْ ليسَ بمؤمنٍ إذا تُلِيَ عليه القرآنُ قال:{أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}، ولذلك إذا رَأَيْتَ مِنْ نفسِكَ أنك لا تَتَأثَّرُ بالقرآنِ فاتَّهمْ نفسك؛ لأن اللَّه تعالى لم يَقُلْ عن أحدٍ إنه لا ينْتَفِعُ بالقرآنِ، إلا عن المكذِّبِينَ الذين لا يرون في القرآن شيئًا يأخذُ بِلُبِّهِمْ ورَوعِهِمْ، وهذه المسألةُ نسألُ اللَّه النَّجاةَ منها؛ لأن كَثِيرًا من النَّاسِ يَقْرؤون هذا القرآن ولكنَّهُ لا يَهُزُّ مشاعِرَهُمْ، وهذا خطيرٌ جِدًّا على الإنسان، فيجبُ على الإنسان أن يتَّهمَ نفسه بهذا الأمر حتى يُعدِّلَ ما مَالَ منهُ ويُقوِّم ما اعْوَجَّ.
وعلى هذا نقول: إنَّ الآياتِ الكونيَّةَ والشرعيَّةَ لا ينتَفِعُ بها إلا المؤمنُ، أما غيرُ المؤمنِ فلا ينتفِعُ بآياتِ اللَّه؛ لأنها تمُرُّ عليه وكأنها أمرٌ عادِيٌّ أو بمقتَضى الطَّبيعَةِ، فالزلازلُ والبَراكِينُ التي تُصيبُ الناس يقولون: هذه براكينُ عادية وليست بشيء، والرياحُ العاصِفَةُ العظيمة التي تُدمِّرُ المحاصيل والأشجارَ، وكذلك ما يحْصُلُ مِنَ الأمطارِ المغْرِقَةِ؛ كل هذه الآيات يقولون: إنها ظواهِرُ طبيعِيَّةٌ، وكأنها ليست عُقوبة مِنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فلم يَنتفِعُوا بهذه الآيات، والآن بَدَؤوا في الكُسوفِ، يقولون: هذه أسبابٌ ظاهِرَةٌ، ونسألُ اللَّهَ السَّلامَة، فهم ينْشُرونَهَا قبلَ أن تَقعَ لأجلِ أن تأتِيَ إلى الناس وقد اطمَأنُوا إليها واستقرتْ في نُفُوسِهِمْ فلا تُرْعِبُهم ولا تخوفُهم، بينما نَجِدُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يقول:"إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخوِّفُ اللَّهُ بِهِما عِبَادَهُ"(١)، وهؤلاء جعلوها كأنَّها هلالُ عِيدٍ، حتى إن بعضهم خاطَبَنا بذلك وقال:
(١) أخرجه البخاري: كتاب الكسوف، باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُخوِّفُ اللَّهُ عِبَادَهُ بالكُسوفِ"، رقم (١٠٠١)؛ ومسلم: كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف الصلاة جامعة، رقم (٩١١).