للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{بِهَا}: هل نقولُ: إن (الباء) هنا بمعنى (على)، أي: ما سَبقَكُمْ عليها، أم نقول: إن الباءَ على معناها، أي: لم تُسْبَقُوا بها؟

الجواب: الباءُ هنا على معناها؛ لأننا لو قُلنَا: لم تُسْبَقوا عليها، لكان هذا فيمنْ أدركَ زَمنهُمْ وكانوا هم أسبقُ إلى هذا منه، أما إذا قُلنَا: ما سبقكم بها فهذا يقْتَضِي السبْقَ الزَّمَنِيَّ.

قَال المُفَسِّر: [{مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} الإنْسِ والجِنِّ]: {الْعَالَمِينَ} يجوزُ أن يكونَ عامًّا إلا فيما يُخَصِّصُهُ العَقْلُ كالملائكةِ فتَشمَلُ الجِنَّ والإنسَ، ويجوز أن يكونَ عامًّا أريدَ به الخاص، أي: من بَنِي آدَمَ، وأما البهائمُ فغَيرُ مكلَّفة.

فقوله: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} يريد زِيادَةَ التَّشْنيعِ عليهم، يعني: أنتم الذين سنَنَتُم هذه الطريقةَ، ومن سَنَّ سُنَّةً سَيِّئةً فعليه وِزْرُها ووِزْرُ من عَملَ بها (١)، كأنه يقول لهم: لو سُبِقْتُم بهذه الفاحِشَةِ لكان لكم نوعٌ من العُذْرِ لكنكم ما سُبِقتم بها، فأنتمُ القُدْوَةُ فيها والعياذُ باللَّه.

[من فوائد الآية الكريمة]

الفَائِدةُ الأُولَى: رَفعُ ذِكر هؤلاءِ الدُّعاةِ إلى اللَّه مِنَ الأنبياءِ وغيرهم؛ لأن قوله: [اذْكُرْ] يعْني: اذْكُرْهُ في موضِعِ الثَّناءِ، ولهذا قال اللَّه تعالى في القرآن في قصَّةِ مريمَ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم: ١٦].


(١) أخرجه مسلم بلفظ: "مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ"، كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة. . .، رقم الحديث (١٠١٧)؛ وهو بلفظه عند ابن ماجه: افتتاح الكتاب في الإيمان وفضل الصحابة والعلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة، رقم الحديث (٢٠٣)؛ وأحمد (٤/ ٣٦١) (١٩٢٢٥).

<<  <   >  >>