للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الآية (١٤)]

* * *

* قالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [العنكبوت: ١٤].

* * *

قوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} (اللام) مُوَطِّئة للقَسَمِ و (قد) للتَّحْقيق، فالجملة مؤكَّدَةٌ بثلاثَةِ مُؤكِّدَاتٍ، وإنما أَكَّد اللَّه ذلك وإن كان الخطابُ لغير مُنْكِر؛ لأنه كما تقدَّمَ أن الأمورَ الهامَّة تؤكَّد وإن لم يُخاطَب بها من يُنكِرُ أو يتردد.

وقوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا} أي: بَعَثْناهُ برسالَةٍ، وكان هذا بعدَ مُدَّةٍ طويلة من آدَم، إذ كان الناسُ بعد آدمَ على ملَّة واحدةٍ بدُونِ رسالَةٍ؛ لأن آدَمَ نَبِيٌّ وليس برَسولٍ، إذ إنه ليس هناك أحدٌ يُرسَلُ إليه، وإنما أُوحِيَ إليه بشرعٍ، وجعل يتعَبَّدُ به واتَّبعَه بَنُوه على ذلك، ولكن لما كثُر بنُو آدم اختلفتْ آراؤهُم وأهْواؤهُم فاحتاجُوا إلى الرِّسالةِ، قال اللَّه: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: ٢١٣]، فبيَّن عَزَّ وَجَلَّ أن الرُّسُلَ أُرْسِلوا بعد أن اختلَف الناسُ، ولهذا هناك قراءة: "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِيِّنَ" (١)، وهذه القِراءةُ دلَّ عليها آخرُ الآية: {لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ


(١) هذه قراءة أُبِيٍّ وابن مسعود -رضي اللَّه عنهما-، انظر: تفسير الطبري (٢/ ٣٤٧)، والتحرير والتنوير (١/ ٥٨٦).

<<  <   >  >>