للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: {ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ} (ائتِ) فِعلُ أمْرٍ، والمرادُ به التَّعْجِيزُ والتَّحَدِّي، يعني: نتحداك أن تأتيَ بالعَذابِ الذي وَعْدتَنَا به.

وقَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فِي استِقْباحِ ذلِكَ، وأن العذابَ نازِلٌ بفَاعلِيهِ]: وهذه الجملةُ شرْطِيَّةٌ قيل: لا تحتاجُ في مِثْلِ هذا التركيبِ إلى جوابِ شرطٍ، للعِلْم به مما سبق، وقيل: إنه محذوفٌ دلَّ عليه ما سبَقَ، والأصحُّ الأول، وهو الذي اختارَهُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ (١)، وقال: إذا كان في الكلامِ ما يدُلُّ على المحذوفِ فلا حاجة إلى تَقْديرِهِ لأنه نوعٌ مِنَ العبَثِ.

وقول هؤلاءِ الكفَّارِ للُوطٍ: {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} أبلغُ من قَولهِمْ: (إن كُنتَ صَادقًا)؛ لأن كلَّ إنسانٍ يحبُّ أن يكون مِنَ الصَّادِقِينَ، لكن لو قالوا: (إن كُنتَ صادِقًا) لكان المعنى صادقًا في هذه المسألَةِ بخُصوصِهَا، أما قولُهم: {مِنَ الصَّادِقِينَ} أي: الموصُوفِينَ بالصِّدْقِ، وهذا أشدُّ في التَّحَدِّي، فكأنهم يقولون: إنك من عِدادِ الكَاذِبينَ ولست من عِدادِ الصَّادِقِينَ، فإن كنتَ مِنْ عِدادِهم فائْتِنَا بما تَعِدُنا.

ماذا كان جوابُ لوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟

كان جوابُه عَلَيْهِ السَّلَامُ أن لجأَ إلى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فقَالَ: {قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ}.

[من فوائد الآية الكريمة]

الفَائِدةُ الأُولَى: ما كان عليه قومُ لُوطٍ مِنَ الشَّرِّ والفَسادِ غيرَ فاحِشَةِ اللِّوَاطِ؛ من قطْعِ السَّبيلِ وإتيانِ المنْكَرِ في نادِيهِم، لقولِه تعالى: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ


(١) التبيان في أقسام القرآن (ص ٢).

<<  <   >  >>